تعيش غزة على أنقاض حرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس، وأسقطت آلاف الضحايا وشردت مئات الآلاف، في هذا التوقيت الحرج، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة لإعادة إعمار القطاع، متعهداً بتحويله إلى “غزة جديدة” بواجهة سياحية وعمرانية حديثة،
لكن خلف العناوين البراقة، ظهرت بنود غامضة تتحدث عن ممرات آمنة، خيارات مغادرة، وإدارة انتقالية، ما أثار تساؤلات عميقة.. هل الهدف إعادة إعمار غزة أم إعادة هندستها ديموغرافياً عبر تهجير سكانها؟
تفاصيل الخطة… وعود تنموية بملامح أمنية
الخطة كما أعلنتها واشنطن تضمنت، إدارة انتقاليةعبر لجنة دولية فلسطينية لإدارة القطاع بعد نزع السلاح،
، إعمار شامل بقيمة مليارات الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية، السكن، والمرافق، بالإضافة إلى ممرات آمنة وخيارات مغادرة من خلال وعود بالسماح بحرية الانتقال والتعويض للراغبين في مغادرة القطاع.
بجانت تحويل غزة إلى “ريفييرا” بمشاريع سياحية ضخمة على الساحل.
المثير للجدل أن البنود الأمنية سبقت البنود التنموية، نزع السلاح وإعادة تشكيل الحكم المحلي كانا شرطاً لبدء أي إعمار.
ذاكرة الفلسطينيية من النكبة إلى أوسلو إلى صفقة القرن
لفهم المخاوف الحالية، يجب العودة إلى محطات تاريخية أولها النكبة (1948): نزوح قسري قُدم كسفر مؤقت حتى نهاية القتال، لكنه تحول إلى تهجير دائم.
وأوسلو (1993) بوعود اقتصادية بتحويل غزة إلى “سنغافورة” الشرق الأوسط، لكن الواقع انتهى بانكماش اقتصادي وحصار.
بجانب صفقة القرن (2019) بخطة كوشنر ركزت على استثمارات ضخمة مقابل تنازلات سياسية، مع مقترحات غير معلنة لتوطين لاجئين خارج غزة.
هذه السوابق جعلت أي إشارة إلى “خيار المغادرة” أو “إخلاء مؤقت” تثير مخاوف من تكرار التاريخ.
من المستفيد من إعادة الإعمار؟
1. المستفيدون السياسيون
واشنطن استعادة دور “صانع السلام”، وفرض وصاية ناعمة،وإسرائيل تحقيق هدف استراتيجي بإضعاف حماس وتفكيك البنية السكانية عبر إغراءات مالية.
وأنظمة عربية الظهور كداعمين للسلام، وربما كحاضنة مؤقتة لنازحين.
المستفيدون الاقتصاديون
شركات البناء العالمية بعقود مليارية لإعادة الإعمار،
المستثمرون العقاريون وتحويل أحياء مدمرة إلى منتجعات سياحية، شركات الطاقة وإعادة بناء الشبكات بما يسمح باستغلال احتياطات الغاز البحري.
المستفيدون الأمنيون
أجهزة المراقبة الدولية ووجود دائم بحجة الإشراف على الإعمار، ما يعزز نفوذ أمني طويل الأمد.
الأبعاد القانونية والإنسانية:
القانون الدولي المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر النقل القسري للسكان تحت الاحتلال،الإخلاء الطوعي المشروط إذا تم تحت ضغط واقع مدمر، يفقد صفته “الطوعية”.
التهجير التنموي مفهوم ظهر في دراسات أممية، يشير إلى حالات يُستخدم فيها الاستثمار والبنية التحتية كغطاء لإبعاد السكان.
المخاطر الإنسانية أكثر من نصف سكان غزة أطفال، وأي نزوح جماعي سيضرب التعليم والصحة ويعيد إنتاج المأساة الفلسطينية.
ردود الفعل والتحديات الميدانية:
الفلسطينيون السلطة تتحفظ على تغييبها، حماس تعتبر الخطة محاولة تبييض للاحتلال، والمجتمع المدني يخشى من فخ التهجير.
الدول العربية مواقف مزدوجة بين الترحيب بالتمويل والتحذير من المساس بالهوية.
أوروبا انقسام بين من يرى في الخطة فرصة للسلام، ومن يخشى من هندسة ديموغرافية.
التحديات الميدانية إعادة إعمار مناطق مدمرة بالكامل ستتطلب إخلاءً طويل الأمد، وهو ما قد يُستغل لإبقاء السكان خارجها.
إعمار أم حصان طروادة للتهجير؟
خطة ترامب تحمل ملامح مزدوجة من ناحية، وعد بإعمار غير مسبوق قد ينقذ غزة من ركامها، ومن ناحية أخرى، أبواب خلفية يمكن أن تتحول إلى مشروع تهجير مقنّع.
بين إعمار البيوت وتهجير البشر خيط رفيع، والخطر أن يتحول المال السياسي إلى أداة لإعادة تشكيل هوية غزة.
المطلوب اليوم تحقيقات ميدانية، شفافية في العقود، وضمانات قانونية صارمة تكفل حق العودة وعدم المساس بالتركيبة السكانية.