في العقدين الأخيرين، تزايدت أهمية القطاع المصرفي في مصر بشكل لافت، حتى أصبح أحد أبرز أعمدة الاقتصاد الوطني وأحد أكثر القطاعات جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية، ومع المنافسة القوية من البنوك في أسواق الخليج والمشرق العربي، برزت أسئلة جوهرية حول موقع مصر على الخريطة المصرفية الإقليمية، وما الذي يجعلها وجهة جاذبة رغم التحديات الاقتصادية التي تمر بها.
حجم السوق.. ورقة رابحة لمصر أول ما يلفت الأنظار عند مقارنة السوق المصري بالأسواق العربية هو حجم قاعدة العملاء. ففي مصر، يعيش أكثر من 105 ملايين نسمة، بينهم أكثر من 40 مليون يتعاملون مع البنوك بشكل مباشر، بينما تعتمد بعض الأسواق الخليجية على أعداد أقل بكثير من السكان، مع وجود نسبة كبيرة من المقيمين الأجانب الذين قد لا يتعاملون مع القطاع المصرفي بنفس النطاق. هذا الحجم الهائل للعملاء يمنح البنوك المصرية مجالاً أوسع لتطوير منتجات وخدمات تستهدف شرائح متعددة، من شهادات الادخار مرتفعة العائد إلى التمويلات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن الابتكارات في المدفوعات الرقمية.
أسعار الفائدة.. سلاح مصر في جذب الأموال خلال السنوات الأخيرة، اتجه البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير لمواجهة التضخم والحفاظ على استقرار الجنيه.
وبلغ متوسط الفائدة على الودائع ما بين 15% و18%، مقارنة بـ 5%-6% في السعودية، و4%-5% في الإمارات، و6%-8% في الأردن. هذا الفارق الكبير في العائد جذب رؤوس أموال تبحث عن أرباح سريعة، كما جذب أموال المصريين العاملين بالخارج للاستثمار في الشهادات البنكية.
وعلى الرغم من أن ارتفاع الفائدة يرفع تكلفة الاقتراض ويضغط على الاستثمار الإنتاجي، فإنه في الوقت نفسه يوفر للبنوك سيولة قوية تعزز من قدرتها على الإقراض في الأوقات المناسبة. التكنولوجيا المالية.. سباق في التطوير إذا كانت بعض أسواق الخليج سبقت مصر في البنية التحتية الرقمية المصرفية، فإن السنوات الأخيرة شهدت طفرة مصرية حقيقية في هذا المجال.
أكثر من 30 مليون محفظة إلكترونية نشطة في مصر.
توسع في خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول، والتحويلات الفورية، وخدمات الإنترنت البنكي. دعم حكومي وتشريعي لتوسيع نطاق الشمول المالي، ما جعل مصر ضمن أسرع الأسواق نموًا في قطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة.
في المقابل، تحتفظ أسواق مثل الإمارات والسعودية بريادة في تطبيقات البنوك الرقمية المتكاملة وتقديم خدمات متطورة مثل “الهوية الرقمية الموحدة” و”الخدمات المصرفية عبر الذكاء الاصطناعي”، لكن الفجوة بدأت تضيق مع دخول لاعبين مصريين كبار إلى هذا الميدان.
المقارنة الإقليمية بالأرقام السعودية، تتميز بقوة رأس المال للبنوك، وحجم كبير للتمويل العقاري، وفوائد منخفضة تشجع على الاستثمار في القطاع الخاص، لكن قاعدة العملاء أقل عدديًا مقارنة بمصر. الإمارات، سوق مصرفي عالمي، يعتمد على قاعدة عملاء دولية، ويقدم خدمات مصرفية فاخرة، مع بيئة استثمارية ذات ضرائب منخفضة، لكن المنافسة فيه شديدة.
الأردن، قطاع مصرفي مستقر ومرتبط بشدة بالسوق الإقليمي، يقدم فوائد أعلى نسبيًا من الخليج وأقل من مصر، ويتميز بالتركيز على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
قطر، قوة مالية كبيرة بفضل الفوائض النفطية والغازية، مع بنوك ذات أصول ضخمة، لكن حجم السوق الداخلي صغير نسبيًا.
السوق المصري.. مزيج من التحديات والفرص رغم الجاذبية الواضحة، لا يخلو القطاع المصرفي المصري من تحديات، أبرزها: التضخم المرتفع الذي يضغط على القوة الشرائية للعملاء.
التقلبات في سعر الصرف التي قد تؤثر على تدفقات الاستثمار. الحاجة إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية لتواكب التطورات العالمية.
لكن في المقابل، هناك فرص واعدة: سوق ضخم غير مشبع بالخدمات المالية أكثر من نصف السكان خارج النظام البنكي. دعم حكومي لسياسات الشمول المالي والتحول الرقمي.
زيادة الاستثمارات العربية في البنوك المصرية، مثل استحواذ بنوك إماراتية وسعودية على حصص في السوق المحلي.
السوق المصري يتمتع بمزيج نادر من الحجم، العائد، والمرونة، مما يجعله منافسًا قويًا لأسواق الخليج والمشرق العربي.
وبينما تظل البنية التحتية والتكنولوجيا المالية مجالات تحتاج لمزيد من التطوير، فإن جاذبية السوق المصري للبنوك العربية والدولية في تزايد مستمر، مدفوعة بحجم الطلب الكبير وإمكانات النمو غير المحدودة.
وبين ضفاف النيل وشواطئ الخليج، يبدو أن المنافسة المصرفية لن تهدأ قريبًا، بل ستزداد سخونة مع