لم يكن وصول احتياطي النقد الأجنبي إلى 49.25 مليار دولار بنهاية أغسطس 2025 محض صدفة، بل هو نتاج مسار استراتيجي اتخذته الدولة المصرية والبنك المركزي خلال الأعوام الأخيرة لمواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، هذا الإنجاز يعكس قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الأزمات الدولية مثل جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات أسواق الطاقة والغذاء، ويضع مصر في موقع أكثر قوة وثقة أمام المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب.
قال خبراء مصرفيون إن وصول الاحتياطي إلى هذا المستوى القياسي يمنح الاقتصاد المصري قوة إضافية في مواجهة التحديات العالمية، ويعكس قدرة البنك المركزي على إدارة السيولة الدولارية بحكمة، مما يضمن تلبية احتياجات الدولة من السلع الأساسية وخدمة الدين الخارجي دون ضغوط.
وأوضح الخبراء في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» أن تنويع مصادر النقد الأجنبي كان عاملاً حاسماً في هذا الإنجاز، حيث لعبت تحويلات المصريين العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس وقطاع السياحة دوراً محورياً في تدفق العملة الصعبة، إلى جانب زيادة الصادرات وتوسع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشاروا إلى أن استمرار هذه المعدلات مرهون بقدرة الدولة على تعظيم الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مؤكدين أن المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات أعمق لدعم الصناعات التصديرية وتعزيز الاستثمارات طويلة الأجل، حتى يصبح الاحتياطي النقدي أكثر استدامة ويستمر في الارتفاع.
ويرىحسن الصادي الخبير المصرفي أن الارتفاع القياسي في الاحتياطي النقدي يعكس انضباط السياسة النقدية التي يتبناها البنك المركزي، موضحاً أن البنك أصبح قادراً على التدخل السريع لاحتواء أية اضطرابات قد تطرأ على سوق الصرف.
وأشار إلى أن وجود احتياطي بهذا الحجم يبعث برسالة طمأنة إلى المستثمرين الأجانب ويجعل مناخ الاستثمار في مصر أكثر جاذبية.
وأضاف الصادي أن نجاح الدولة في رفع الاحتياطي لم يكن ليحدث لولا القرارات الإصلاحية الجريئة، وعلى رأسها تحرير سعر الصرف، وهو ما خلق بيئة أكثر شفافية للتعاملات المالية. ويؤكد أن هذه الخطوات رفعت ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري.
وأختتم الخبير المصرفي بأن التحدي القادم يتمثل في الحفاظ على هذا المستوى من الاحتياطي عبر زيادة الاستثمار الإنتاجي وتشجيع الصناعات التصديرية، حتى يكون مصدر النقد الأجنبي قائماً على الإنتاج وليس فقط على التدفقات المؤقتة.
وفي سياق متصل قال محمد بدرة الخبير الاقتصادي، أن وصول الاحتياطي إلى 49.25 مليار دولار يمنح الدولة مرونة مالية كبيرة في التعامل مع التزاماتها الخارجية، موضحاً أن هذا الرقم كافٍ لتغطية واردات مصر من السلع الأساسية لعدة أشهر متتالية.
وأشار بدرة إلى أن وجود احتياطي قوي بهذا الحجم يخفف من الضغوط التضخمية، ويساعد على استقرار أسعار السلع في السوق المحلي.
وأوضح أنه يعزز من موقف مصر في المفاوضات الاقتصادية مع المؤسسات الدولية، سواء للحصول على تمويلات أو لدعم برامج التعاون الاقتصادي.
ويرى بدرة أن المرحلة المقبلة تستلزم التركيز على تنويع مصادر النقد الأجنبي من خلال التوسع في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، وتطوير قطاع الخدمات المالية والتكنولوجية القادرة على جذب استثمارات جديدة.
وشدد على أن الاستدامة هي كلمة السر في أي استراتيجية مستقبلية.
استراتيجية الدولة والبنك المركزي:
اعتمدت الدولة على نهج متكامل يقوم على عدة محاور لدعم موارد النقد الأجنبي.
أول هذه المحاور كان زيادة إيرادات القطاعات الحيوية مثل قناة السويس التي حققت إيرادات تاريخية، وقطاع السياحة الذي شهد طفرة في أعداد الزائرين بعد انتعاش الحركة العالمية.
ثانيها هو تشجيع الصادرات المصرية وفتح أسواق جديدة للمنتجات الصناعية والزراعية، وهو ما ساعد في رفع حصيلة الدولة من العملات الأجنبية.
ثالثها كان تحفيز تحويلات المصريين العاملين بالخارج عبر أدوات مصرفية مرنة وسياسات تثبيت الثقة في الجهاز المصرفي.
أما المحور الرابع فيتمثل في إدارة رشيدة لملف الواردات، عبر تقليل الاستيراد غير الضروري وتشجيع البدائل المحلية.
هذه المحاور مجتمعة لم تسهم فقط في زيادة حجم الاحتياطي، بل في تعزيز استدامته بما يضمن تغطية احتياجات الدولة من الواردات الأساسية لعدة أشهر، وهو ما يمثل خط الدفاع الأول للاقتصاد المصري.