أصبحت الشراكات بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية (Fintech) واحدة من أبرز التوجهات في القطاع المصرفي العالمي، وفي مصر على وجه الخصوص، هذه الشراكات لا تقتصر على تحديث الأدوات المالية فحسب، بل تسهم في إعادة تشكيل المشهد المصرفي، فهي تجمع بين قوة البنوك التقليدية في التنظيم والموثوقية، وبين سرعة ومرونة الشركات التكنولوجية في تقديم حلول مبتكرة، ومع تزايد احتياجات العملاء للسرعة والأمان وتنوع الخدمات، برزت أهمية هذا التعاون كأداة استراتيجية لدفع التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي، خاصة في ظل المنافسة المتنامية في الأسواق.
يرى خبراء الاقتصاد أن التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية يمثل خطوة ضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع المصرفي المصري مؤكدين أن البنوك لم تعد قادرة وحدها على مجاراة التطورات التكنولوجية المتسارعة، وهو ما يجعل من الشراكة مع الشركات الناشئة المتخصصة حلاً مثالياً لتقديم خدمات مالية أكثر ابتكاراً.
وأضافت الخبراء في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» أن هذه الشراكات تساهم بشكل مباشر في تحسين تجربة العملاء، حيث توفر لهم خدمات أسرع وأكثر أماناً، سواء في المدفوعات الإلكترونية أو خدمات التمويل أو حتى إدارة الثروات، كما أنها تدعم توجهات الدولة نحو التحول الرقمي وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المصرفية.
وأكدت الخبراء أن التعاون يسهم في تقليل التكاليف التشغيلية للبنوك من خلال الاعتماد على الأنظمة الرقمية المتطورة بدلاً من الحلول التقليدية المكلفة. وهو ما يتيح للبنوك إعادة توجيه استثماراتها نحو مجالات استراتيجية أخرى، ويعزز في الوقت ذاته من قدرتها على التوسع والوصول إلى شرائح جديدة من العملاء.
وفي سياق متصل يرى محمد بدرة الخبير المصرفي أن التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية أصبح خياراً استراتيجياً لا غنى عنه، خاصة في ظل المتغيرات العالمية التي تفرض على البنوك تحديث بنيتها التحتية الرقمية.
وأوضح «بدرة» أن هذه الشراكات تمثل فرصة للبنوك لتسريع وتيرة التحول الرقمي دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة في تطوير أنظمة خاصة بها.
و أشار إلى أن البنوك تستفيد من خبرة شركات التكنولوجيا في تطوير منتجات مالية جديدة تتناسب مع احتياجات الجيل الجديد من العملاء الذين يفضلون المعاملات السريعة عبر الهواتف المحمولة والتطبيقات الذكية. وهذا يعزز من قدرة البنوك على البقاء في صدارة المنافسة بدلاً من التراجع أمام شركات التكنولوجيا المالية الناشئة.
ولفت إلى أن هذه الشراكات تسهم في تعزيز الشمول المالي عبر الوصول إلى فئات لم تكن تستفيد من الخدمات المصرفية من قبل، مثل سكان المناطق الريفية أو الشباب الذين لم يسبق لهم فتح حسابات بنكية مشيرا إللى أنه ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد القومي ويزيد من معدلات النمو.
من جانبها، ترى سهر الدماطي الخبيرة المصرفية أن الشراكات بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية ليست مجرد رفاهية، بل هي ضرورة لتطوير السوق المصرفية. فالتكنولوجيا أصبحت المحرك الأساسي لكافة القطاعات الاقتصادية، والقطاع المالي ليس استثناءً.
وأوضحت أن تبني هذه الشراكات يرفع من كفاءة البنوك ويجعلها أكثر قدرة على تلبية متطلبات العملاء المتغيرة.
وأضافت« الدماطي» أن التعاون يساعد البنوك على تقديم حلول مالية متطورة بسرعة فائقة، مثل خدمات الدفع الفوري أو التمويل الرقمي، وهو ما يزيد من رضا العملاء ويعزز ولاءهم للمؤسسة المصرفية. وتشدد على أن تجربة العميل أصبحت اليوم هي العامل الحاسم في نجاح أي بنك.
كما وأكدت أن هذه الشراكات تدعم خطط الدولة في تعزيز الشمول المالي والتحول إلى اقتصاد أقل اعتماداً على النقد لافتة إلى إدماج التكنولوجيا المالية مع البنوك يتيح الوصول إلى شرائح المجتمع كافة، خاصة النساء والشباب وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يعزز من التنمية الاقتصادية المستدامة.
مستقبل التعاون بين البنوك والتكنولوجيا المالية في مصر
تشير التوقعات إلى أن التعاون بين البنوك وشركات التكنولوجيا المالية في مصر سيشهد توسعاً ملحوظاً خلال السنوات المقبلة، مدعوماً بجهود البنك المركزي لتبني الابتكار وتشجيع التحول الرقمي.
ومع انتشار الهواتف الذكية وارتفاع معدلات استخدام الإنترنت، ستزداد الحاجة إلى حلول مالية ذكية وسريعة تلبي متطلبات العملاء. كما أن توجه الدولة نحو تعزيز الشمول المالي سيدفع بمزيد من الشراكات الاستراتيجية، بما يتيح للبنوك الوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو المستقبل واعداً، حيث سيصبح التعاون بين الجانبين ليس فقط وسيلة لتحسين الخدمات، بل أداة رئيسية لإعادة تشكيل القطاع المصرفي ودعم الاقتصاد الوطني.