شغال ما يقرب من عشر سنين في موقع “صدى البلد” الإخباري. شغال محرر شؤون دولية بعد ما كانت مهنتي وشغفي الأساسي مترجم من عربي لإنجليزي والعكس. اشتغلت كمان نفس الوظيفة في عشرات من الوكالات والمؤسسات العالمية والمحلية واشتغلت في مجالات غير تخصصي، زي صحفي أخبار فن في مجلة روز اليوسف العريقة.
اكتسبتُ خبرة طويلة طيلة العقد الماضي وتعبت وعافرت عشان أبقى شاطر في مجالي وليا سمعة طيبة وأسم وبحرص أني اتعلم دايما والحمد لله مبسوط من نفسي وراضي.
النهاردة روحت عشان أقبض من خزينة موقع “صدى البلد”.. ببص في القبض لقيته ٢٧١٠ جنية يعني نزل ألف جنية، حيث إني قبضتُ الشهر الماضي ٣٧٠٠ من أصل 6000 جنيه لم أقبضها كاملة ولو مرة واحدة في حياتي.
ودي مش أول مرة وليست استثناء بل القاعدة، بيد أننا وطيلة أكثر من عام ونحن نصبر ونصدق الوعود بأنه سيتم تعديل الرواتب بحيث لا تتعدى الحد الأدنى الرسمي الذي قررته الدولة،
ورغم أن الإدارة تُجبر الصحفيين على العمل من الموقع (3 أيام للمحررين و5 لرئيسي الأقسام وهي قاعدة لم أقرأها في قانون ولا لوائح) دون أدنى مبرر ودون أدنى مراعاة لأي ظروف كنا نصبر.
ثم ما انفكت أن استحدثت قاعدة غريبة جديدة ربما بهدف الإمعان في الإذلال والتطفيش وهي أنك لو منزلتش الموقع ورضيت إنه يتخصملك واشتغلت أيام الخصم من البيت.. مش هتقبض مرتبك عن طريق كارت الفيزا زي باقي الناس بل هتقبضه يدوي.
قولنا نصبر ونصدق الوعود ربما لأننا ارتضينا أن نعمل لسنوات مديدة بدون عقود ولا تأمينات.. ثم طبقوا قاعد الخصم بيوم أو يومين وثلاثة.. قولنا نصبر.. التعامل الآدمي وصل لمرحلة صفرية .. سياسة الخصومات والأمر المباشر كأننا في معسكر أو مفرخة خليجية.. كنا نشتكي ونرفع مذكرات ونتذمر .. نشتكي ونشتكي ونشتكي.
حسنًا! لنصبر في سبيل لقمة العيش حتى نجد بديلاً في سوق ومجال يحتضر.
ظللنا نعمل بأقصى طاقة ممكنة، أجرينا تغطيات خبرية ذهبنا لتغطية فعاليات، جئنا بالحصريات والانفرادات .. أجرينا مقابلات، أشهرها مقابلة أجرُيتها شخصيًا مع جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، وكان ذلك في فترة رئاسة ترامب الأولى. احتفى بها جميع زملائي. قُمت بتغطية متميزة بشهادة الجميع للحرب الإيرانية الإسرا.ئلية والضربة الأمريكية. نعمل بأقصى جهد ممكن ونستحمل طلبات العمل المتعسفة رغم ظروف الحياة الشخصية، نعمل لأننا نحب المهنة حتى وإن لم تبادلنا نفس الشعور.
والله كانت أبيات المتنبي محفورة في ذهني وأنا أعمل صابرًا “كالخيلِ يمنعُنا الشّمُوخُ شِكايةً وتئِنُ من خلفِ الضلوعِ جروحُ”.
ثم عرفنا أخيرًا أنهم يدرسون هيكلة الرواتب وسرعان ما جيه في وشنا البوكس التمام؛ قاعدة مًجترعة حديثًا أول مرة أسمع بها في حياتي، وهي أنه اللي شغال في مكان آخر لن يكون في سلم أولوية هيكلة الرواتب.
ليه أتعاقب في رزقي؟ وأتعاقب على أيه نفسي أفهم؟ .. ويعني أيه أتعاقب .. أيه مفهوم العقاب؟ هو أنا بحفر قناة السويس؟.
