عودة مجلس الشيوخ للحياة النيابية في مصر بعد سنوات من التجميد ليست مجرد خطوة شكلية أو ترفًا سياسيًا، بل في تقديري هي محاولة حقيقية لإعادة التوازن إلى المشهد التشريعي، وتوسيع دوائر النقاش وصناعة القرار داخل مؤسسات الدولة.
أتذكر جيدًا حين كان يعرف باسم «مجلس الشورى»، والذي تأسس عام 1980 في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورغم أن صلاحياته كانت محدودة واستشارية فقط، إلا أنه ظل قائمًا حتى عام 2013. وبعد ثورة يناير، ومع التغيرات العميقة التي شهدتها الدولة، تم إلغاؤه نهائيًا في دستور 2014، تحت مبرر أنه لم يقدم إضافة حقيقية، وأن غرفة تشريعية واحدة تكفي.
لكن بعد مرور سنوات من العمل النيابي بغرفة واحدة، اتضح أن هناك مساحات فارغة، وتساؤلات معلقة، وقوانين كان يمكن أن تصاغ بشكل أدق لو كان هناك نقاش أوسع، من هنا، جاءت التعديلات الدستورية في 2019 لتعيد الغرفة الثانية تحت اسم جديد، وهو «مجلس الشيوخ»، مع تحديد مهامه وصلاحياته بدقة أكبر.
أنا شخصيًا أرى أن فكرة مجلس الشيوخ ليست بلا جدوى كما يدعي البعض، صحيح أن دوره استشاري، لكن هذا لا يقلل من أهميته، بل على العكس، نحن في أمس الحاجة إلى مؤسسة تملك رفاهية التفكير الهادئ، بعيدًا عن ضغوط الرأي العام، أو المعارك السياسية داخل مجلس النواب، نحن بحاجة إلى عقول متخصصة تناقش القضايا من زوايا أعمق، وتقدم توصيات مبنية على علم وخبرة.
مجلس الشيوخ في صورته الحالية يضم نخبة من السياسيين والمثقفين وأساتذة الجامعات والخبراء في مجالات حيوية، فوجود هذه العقول في مكان واحد يفتح المجال لنقاشات رصينة حول السياسات العامة، ويعطي لمؤسسات الدولة فرصة لسماع صوت مختلف، لا يسعى إلى الصدام بقدر ما يسعى إلى التقييم والتقويم.
بالطبع، الحكم النهائي على المجلس مرهون بفعاليته، وبمدى قدرة أعضائه على التحول من التوصيات النظرية إلى تأثير فعلي على أرض الواقع. لكنه يظل برأيي خطوة صحيحة، في وقت تحتاج فيه مصر إلى تعددية الرأي، وتوسيع المساحات المؤسسية للنقاش.
نحن لا نحتاج فقط إلى صوت مرتفع، بل إلى صوت عاقل، ومجلس الشيوخ يمكن أن يكون هذا الصوت، إذا أراد.