لم يعد الزي المدرسي في مصر مجرد مريلة بسيطة أو قميص أبيض يرمز للانضباط والمساواة بين الطلاب، فقد تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ساحة تنافس على أحدث الموديلات وأغلى الماركات، ما فتح بابًا واسعًا للجدل بين أولياء الأمور والتربويين.. هل ما زال الزي يؤدي دوره في تقليص الفوارق الطبقية وضبط العملية التعليمية، أم أصبح وسيلة للتمييز وعبئًا اقتصاديًا على الأسر؟
في هذا التقرير، ترصد “المحروسة” أبعاد الظاهرة من خلال جولات ميدانية، ورصد شهادات أولياء الأمور والطلاب، مع الاعتماد على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وتقارير وزارة التربية والتعليم.
من الانضباط إلى التفاوت الطبقي
قديماً، كان الزي المدرسي وسيلة فعالة لتذويب الفوارق الاجتماعية، إذ ارتدى جميع الطلاب نفس المريلة أو القميص. أما الآن، فقد أصبح التفاوت أكثر وضوحًا بين المدارس الحكومية والخاصة والدولية.
ففي حين يلتزم طلاب المدارس الحكومية بزي موحد تقليدي، يفرض عدد من المدارس الخاصة تصاميم “مودرن” بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع دخل معظم الأسر.
الدكتورة فاطمة حسن خبيرة علم الاجتماع تقول المساواة التي صنعها الزي الموحد في الماضي انهارت أمام سطوة السوق. المظهر الآن أصبح يعكس الطبقة الاجتماعية أكثر مما يعكس روح الانضباط.
البعد الاقتصادي.. زي أم عبء؟
طبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2024، فإن متوسط إنفاق الأسرة المصرية على التعليم الأساسي ارتفع بنسبة 37% خلال الخمس سنوات الماضية، ويُرجع جزء كبير من هذا الارتفاع إلى بند المستلزمات والزي المدرسي.
في سوق العتبة، كشف بائع أن سعر الزي التقليدي كان يتراوح بين 30 و50 جنيهًا في التسعينيات.
اليوم، سعر الزي في بعض المدارس الخاصة يصل إلى 2000 – 2500 جنيهًا، بينما يتراوح في المدارس الحكومية بين 350 و500 جنيهًا.
المهندس سامي جاد خبير اقتصاديات التعليم، تكلفة الزي المدرسي تمثل عبئًا حقيقيًا، خصوصًا للأسر التي لديها أكثر من طفل في مراحل مختلفة، الحل يكمن في وضع تسعيرة استرشادية تُلزم الموردين بالالتزام بها.
السوق الخفي وراء الزي المدرسي
رصد التقرير من خلال شكاوى أولياء الأمور في عدد من المدارس الخاصة بالقاهرة والجيزة، وجود “شبه احتكار” في توريد الزي، إذ تتعاقد المدرسة مع شركة بعينها وتمنع الشراء من أي مصدر آخر، ما يضاعف الأسعار.
وبحسب تقرير أصدرته جهاز حماية المنافسة عام 2023، فقد تلقت الهيئة شكاوى رسمية من أولياء الأمور ضد بعض المدارس الخاصة التي تحتكر بيع الزي بأسعار مبالغ فيها.
الأثر التربوي والنفسي
يرى خبراء التربية أن الهدف الأساسي من الزي الموحد هو تقليل الفوارق بين الطلاب وترسيخ الانضباط، لكن ما يحدث اليوم يتناقض مع هذه الفلسفة.
الطلاب من الأسر محدودة الدخل قد يشعرون بالدونية أو التهميش أمام زملائهم الذين يرتدون أزياء أكثر جودة وأناقة.
الدكتور أحمد مجدي خبير تربوي قال إنه حين يتحول الزي المدرسي إلى وسيلة للتمييز، يفقد أهميته التربوية. المطلوب سياسة موحدة من الوزارة تلزم المدارس بتصميم زي بسيط، عملي، ومناسب اقتصاديًا.
صوت الطلاب.. بين الثقة والتمييز
في استطلاع محدود أجرته “المحروسة ” بين 30 طالبًا وطالبة في مدارس حكومية وخاصة، جاءت النتائج كالآتي:
60% اعتبروا أن الزي العصري يمنحهم ثقة ويجعلهم أكثر تميزًا.
40% أكدوا أنه يسبب لهم ضيقًا بسبب المقارنات مع زملائهم.
وقالت الطالبة مريم الصف الثاني الإعدادي إنه بحب شكل الزي في مدرستنا، بس كل سنة غالي جدًا وأحيانًا ماما بتقول مش هتقدر تجيب الجديد.