لم تكن النقود مجرد وسيلة للتبادل، بل كانت مرآةً للتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة المصرية، رحلة طويلة بدأت منذ آلاف السنين حين كان المصري القديم يلجأ إلى نظام المقايضة، مرورًا باستخدام المعادن الثمينة، ثم سكّ النقود في العصور الإسلامية، وصولًا إلى ظهور الجنيه المصري كرمز للسيادة الوطنية .
تاريخ العملة المصرية يعكس تاريخ الدولة نفسها؛ فكل تطور سياسي أو اقتصادي كان ينعكس مباشرة على شكل النقود ونوعيتها، الجنيه المصري ظل لفترة طويلة من أقوى العملات في المنطقة، ومع الإصلاحات الاقتصادية الجارية هناك مساعٍ لاستعادة جزء من هذه القوة.
وفي هذا التقرير نرصد أهم محطات تطور العملة المصرية عبر العصور والتي جاءت كالتالي :
المقايضة البداية البدائية
قبل آلاف السنين لم يعرف المصريون النقود بالمعنى المتعارف عليه الآن. اعتمدوا على المقايضة، فكان الفلاح يبادل القمح بالماشية، والصانع يبادل أدواته بالملابس أو الغذاء، هذا النظام البدائي كشف عن حاجة ملحة إلى وسيلة تبادل أكثر عدلاً وسهولة.
المعادن الثمينة.. الذهب والفضة في خدمة الاقتصاد
مع تقدم الحضارة المصرية القديمة، بدأ استخدام سبائك الذهب والفضة والنحاس كوحدة للتبادل. لم تكن مسكوكة على هيئة عملات بعد، بل في شكل قطع معدنية توزن عند كل عملية بيع أو شراء، وتدل البرديات والنقوش أن المصريين القدماء قدّروا قيمة الذهب بدرجة كبيرة حتى أطلقوا عليه لقب “دم الآلهة”.
العصر البطلمي والروماني.. النقود المسكوكة تدخل مصر
مع دخول البطالمة ثم الرومان، عرفت مصر النقود المسكوكة. ظهرت عملات ذهبية وفضية وبرونزية، تحمل صور الملوك والأباطرة. لم تكن قيمتها اقتصادية فقط، بل سياسية أيضًا، إذ كانت وسيلة لتأكيد شرعية الحاكم.
العصور الإسلامية.. الدينار والدرهم والفلس
شهدت مصر الإسلامية نقلة نوعية في نظم النقد. فقد أدخل الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الدينار الذهبي والدرهم الفضي، وهما عملتان سكّتا في مصر وحملتا كتابات عربية بدلاً من الصور، في العصور الفاطمية والمملوكية، ازدهرت سك العملة، وتنوعت بين الدينار والدرهم والفلس النحاسي، وأصبحت القاهرة أحد مراكز إصدار النقود في العالم الإسلامي.
العصر العثماني.. عملات متعددة
في ظل الحكم العثماني، استخدمت مصر عملات تركية مثل القروش، إلى جانب عملات أوروبية كالجنيه الإسترليني والريال الإسباني نتيجة للتجارة الخارجية، أدى ذلك إلى حالة من التعدد النقدي أربكت الأسواق وأضعفت الاستقرار المالي.
القرن التاسع عشر.. بداية العملة الوطنية
مع حكم محمد علي باشا وتأسيس الدولة الحديثة، بدأ التفكير في نظام نقدي موحد. وفي عهد الخديوي إسماعيل عام 1836 صدر أول ريال مصري رسمي من الفضة، ثم أعقبه إصدار عملات ذهبية ونيكلية.
لكن التحول الأبرز جاء عام 1899 حين تأسس البنك الأهلي المصري ومنح حق إصدار أوراق النقد لأول مرة. وهكذا بدأت مصر تعرف العملة الورقية إلى جانب المعدنية.
ظهور الجنيه المصري.. رمز السيادة
عام 1914، وخلال الحرب العالمية الأولى، تم اعتماد الجنيه المصري عملة رسمية للدولة، بعدما كان الجنيه الإسترليني البريطاني هو المسيطر. أصبح الجنيه المصري رمزًا للسيادة الاقتصادية والسياسية، خصوصًا مع سكّه من الذهب الخالص في بداياته.
العصر الجمهوري.. من الجنيه الذهبي إلى الورق
بعد ثورة يوليو 1952 وتأميم بنك مصر والبنك الأهلي، أسس الرئيس جمال عبد الناصر البنك المركزي المصري عام 1961، الذي تولى وحده حق إصدار النقد، ومنذ ذلك الوقت، اختفى الجنيه الذهبي ليحل محله الجنيه الورقي.
خلال العقود التالية، تنوعت تصميمات الأوراق النقدية لتعكس تاريخ مصر، من الأهرامات والمعابد إلى المساجد والكنائس.
القرن الحادي والعشرون.. بين الورق والبلاستيك
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر ثورة جديدة في نظام النقد بإصدار العملات البلاستيكية (البوليمرية)، بداية من فئة الـ10 و20 جنيهًا من دار الطباعة بالعاصمة الإدارية الجديدة، لتكون أكثر أمانًا ضد التزوير وأكثر صمودًا أمام التلف.
كما تعمل مصر حاليًا على توسيع استخدام المدفوعات الرقمية والمحافظ الإلكترونية، بما قد يجعل العملة الورقية نفسها في المستقبل أقل استخدامًا لصالح النقود الإلكترونية.