في مشهد يختزل التحول الجذري في معادلات القوة والسيادة في الشرق الأوسط، تستعد شرم الشيخ اليوم لاستقبال وفود أمريكية رفيعة المستوى لتوقيع اتفاقية بدء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أرض مصرية، بعد أن كانت قبل سنوات قليلة تواجه ضغوطًا متواصلة لإرسال رئيسها إلى واشنطن لتوقيع اتفاقية التهجير المزعومة.
السيناريو الذي يتكرر الآن، لكن في الاتجاه المعاكس، لا يروي مجرد تحول دبلوماسي، بل يؤكد أن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي استعادت موقعها التاريخي كضامن للاستقرار، وصوتٍ للعقل، ومركزٍ لاتخاذ القرار في الإقليم.
مصر.. من موقع المتلقي إلى صانع الحدث
قبل أعوام، كانت بعض القوى الدولية تراهن على أن تمارس مصر دور المنفذ لسياسات مرسومة خارج حدودها، بينما ظل الموقف المصري ثابتًا، لا تنازل عن القرار الوطني، ولا تفريط في الأرض أو الكرامة.
اليوم، بعد صمود الموقف المصري ونجاح القيادة السياسية في فرض منطق الدولة المصرية المستقلة، انقلبت المعادلة، فبدلًا من أن يُستدعى الرئيس السيسي للتوقيع على أوراق تُكتب في الخارج، أصبحت العواصم الكبرى هي التي تأتي إلى القاهرة لتوقّع من فوق أرضها اتفاقيات السلام ووقف إطلاق النار، بوساطة مصرية ورعاية رئاسية مباشرة.
منذ اللحظة الأولى لتصاعد الأزمة في غزة، اختارت مصر طريقها الواضح، رفض التهجير، ورفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني، والعمل في الوقت نفسه على وقف نزيف الدم، وحماية المدنيين، وتهيئة المناخ السياسي لاستعادة المسار التفاوضي.
وهو ما تحقق بالفعل بعد أشهر من الجهود المكثفة التي قادتها مصر بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، حتى أعلنت إسرائيل رسميًا وقف إطلاق النار، وبدأت ترتيبات المرحلة السياسية الجديدة من القاهرة، في حضور الأطراف الراعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
من السياسة إلى الرمزية.. مصر مركز الشرعية الإقليمية
أن تأتي واشنطن إلى مصر لتوقيع اتفاق سلام في الشرق الأوسط، فذلك ليس مجرد خطوة سياسية، بل رسالة رمزية عميقة،أن مصر هي بوابة الحل، وهي مركز الثقة، وهي الدولة التي لم تتورط في حسابات انتهازية، بل حافظت على مواقفها الأخلاقية والإنسانية دون أن تفرط في مصالحها الوطنية.
وفي المقابل، أصبح واضحًا أن القاهرة هي العاصمة الوحيدة القادرة على جمع الخصوم على طاولة واحدة، في لحظة فقدت فيها المنطقة بوصلتها.
شعب خلف قيادته ووطن يستعيد مكانته
الاحتفاء الشعبي بقرار وقف إطلاق النار لم يكن وليد اللحظة، بل هو تعبير عن فخرٍ وطني بموقف الدولة المصرية ورئيسها، الذي رفض كل الضغوط في وقتٍ كان البعض يظن أن المقاومة مكلفة.
واليوم، حين تعود واشنطن لتوقّع اتفاقًا للسلام على أرض مصر، فإنها تعترف ضمنيًا بأن من تمسك بمواقفه هو من انتصر في النهاية، وأن من رفض التبعية صار شريكًا في صياغة مستقبل المنطقة.
ما بين مشهد “الرفض” بالأمس، ومشهد “الريادة” اليوم، كتبت مصر فصلاً جديدًا في تاريخها السياسي الحديث، فصلًا عنوانه، من كانوا يريدون تهجيرنا أصبحوا يأتون إلينا بحثًا عن السلام.