لم يعد التعليم في مصر مجرد مسار أكاديمي يسعى إليه الطلاب، بل أصبح تحديًا ماليًا كبيرًا يثقل كاهل ملايين الأسر، حيث شهدت الرسوم الدراسية ارتفاعًا ملحوظًا من مرحلة رياض الأطفال وحتى الدراسات العليا. هذا الواقع دفع العديد من الأسر إلى البحث عن حلول تمويلية لتغطية هذه التكاليف، مما أدى إلى ازدياد الاعتماد على البنوك التي استغلت هذه الحاجة من خلال تقديم برامج “قروض التعليم”، والتي قد تصل قيمتها إلى ملايين الجنيهات. لكن مع ارتفاع معدلات الفائدة، يظل السؤال المحوري: هل تشكل هذه القروض استثمارًا في مستقبل الأبناء، أم أنها عبء مالي إضافي يهدد استقرار الأسر؟
تنافس البنوك في سوق قروض التعليم
شهدت السوق المصرفية المصرية خلال العامين الماضيين منافسة حامية بين البنوك لجذب العملاء الراغبين في قروض التعليم. برزت أربعة بنوك رئيسية في هذا المجال، وهي بنك مصر، البنك التجاري الدولي (CIB)، QNB الأهلي، وبنك القاهرة، إلى جانب بنوك أخرى مثل البنك العربي الأفريقي، HSBC، وبنك ناصر الاجتماعي، التي تقدم عروضًا تمويلية متنافسة. ووفقًا لتقرير صادر عن «المحروسة»، تختلف قيمة هذه القروض بشكل كبير، حيث تبدأ من 300 ألف جنيه في بنك القاهرة مع فترة سداد لا تتجاوز 12 شهرًا، وتصل إلى 9 ملايين جنيه في البنك التجاري الدولي مع فترة سداد تمتد إلى 8 سنوات.
شروط الحصول على قروض التعليم
تشترط البنوك مجموعة من الوثائق الأساسية لتقديم هذه القروض، وتشمل:
- صورة بطاقة الرقم القومي سارية.
- إيصال مرافق حديث.
- بيان معتمد بقيمة المصروفات الدراسية.
كما تقدم بعض البنوك مزايا إضافية لجذب العملاء، مثل وثيقة تأمين على الحياة في بنك مصر، أو تغطية شاملة لجميع المراحل التعليمية بما فيها الدراسات العليا في QNB الأهلي.
الفائدة: العامل الحاسم قبل اجتماع البنك المركزي
تأتي هذه القروض في ظل ظروف اقتصادية حساسة، حيث وصلت أسعار الفائدة إلى 24% للإيداع و25% للإقراض، مع استقرار سعر العملية الرئيسية وسعر الائتمان والخصم عند 24.50%. ومع اقتراب موعد اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري في 28 أغسطس 2025، يترقب المواطنون والمستثمرون قرارات قد تؤثر على تكلفة الاقتراض، خاصة فيما يتعلق بالقروض الاستهلاكية مثل قروض التعليم. وفي بيان سابق، أشار البنك المركزي إلى أن تثبيت أسعار الفائدة الأساسية يهدف إلى دعم السياسة النقدية وترسيخ توقعات انخفاض التضخم، لكن هذا التثبيت يضع الأسر في مأزق بين ضرورة تمويل التعليم وارتفاع تكلفة الفائدة.
بين الاستثمار والمخاطرة
تباينت الآراء حول قروض التعليم، فبينما يراها البعض استثمارًا طويل الأجل في مستقبل الأبناء، يعتبرها آخرون مخاطرة مالية قد تثقل كاهل الأسر لسنوات طويلة. هذه القروض، التي تعد ظاهرة جديدة نسبيًا في السوق المصرية، تعكس الدور المتزايد للبنوك في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حول تأثيرها على الاستقرار المالي للأسر وعلى الاقتصاد بشكل عام.
في النهاية، تظل قروض التعليم خيارًا يحمل في طياته الطموح والتحدي، حيث يتطلب اتخاذ قرار الاقتراض دراسة متأنية لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى التعليم الجيد وإدارة الأعباء المالية.