ألقى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بظلاله الثقيلة على الأسواق العالمية، حيث انعكس سريعًا على حركة الذهب باعتباره الملاذ الآمن الأول في فترات الاضطراب النقدي، وبينما ارتفعت الأسعار عالميًا مع تزايد إقبال المستثمرين، وجد السوق المصري نفسه في مواجهة معادلة أكثر تعقيدًا تتداخل فيها أسعار الصرف مع سلوك المستهلك المحلي.
ووصل سعر الذهب في المعاملات الفورية إلى 3653.54 دولار للأوقية (الأونصة) بعدما صعد لمستوى قياسي بلغ 3707.40 دولار أمس الأربعاء.
وخفض البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس أمس الأربعاء وأشار إلى أنه سيخفض تكاليف الاقتراض بشكل مطرد لبقية العام.
اقتصاديون أشاروا إلى أن تأثير خفض الفائدة الأمريكية لا يقف عند الذهب، بل يمتد إلى رسم السياسات النقدية في مصر، موضحين أن ارتفاع أسعار الذهب محليًا قد يغذي التضخم المستورد، ما يضع البنك المركزي أمام تحديات إضافية في إدارة التوازن بين استقرار الأسعار والحفاظ على استقرار العملة.
وأكدوا في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» أن السوق يشهد تحولًا ملحوظًا، حيث يفضّل المستهلكون الاستثمار في السبائك والجنيهات لسهولة تسييلها واحتفاظها بالقيمة، فيما تراجعت مبيعات المشغولات التقليدية مع استمرار ارتفاع الأسعار، مشيرين أن التجار أن الزينة أصبحت رفاهية يصعب على الكثيرين تحمل تكلفتها.
وفي سياق متصل، قال حسن الصادي، الخبير الاقتصادي، إن خفض الفائدة الأمريكية عادةً ما يدفع المستثمرين العالميين إلى البحث عن ملاذات آمنة بديلة، في مقدمتها الذهب، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره في البورصات العالمية.
وأوضح أن ضعف العائد على الدولار يجعل الذهب أكثر جاذبية، وهو ما يخلق موجات شراء كبيرة تدعم صعود الأسعار على المدى القصير والمتوسط.
وأضاف «الصادي» أن السوق المصري يتأثر بصورة مضاعفة بهذه التطورات، حيث لا يرتبط الذهب محليًا بالسعر العالمي فقط، وإنما بسعر صرف الدولار أيضًا.
وأكد أن أي تراجع في قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية يترجم إلى ارتفاع أكبر في أسعار الذهب داخل مصر، بغض النظر عن نسب الزيادة في الأسواق العالمية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هذه التحولات تُلقي بظلالها على سلوك المستهلك المصري، الذي بات أكثر ميلًا لشراء السبائك والجنيهات الذهب كأداة ادخارية، بينما تراجعت مبيعات المشغولات التقليدية بسبب الضغوط المعيشية.
واعتبر أن استمرار هذا الوضع قد يعمّق من اتجاه المصريين نحو الادخار في الذهب، لكن مع محدودية القدرة الشرائية سيظل السوق في حالة انكماش نسبي على مستوى الطلب الفعلي.
ومن جهة أخرى قال أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إن قرارات الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الاقتصاد المصري، فالتأثير يمتد بشكل مباشر على حركة رؤوس الأموال وأسعار الذهب والدولار محليًا.
وأوضح أن مصر، بحكم ارتباطها بالأسواق العالمية، تستورد هذه المتغيرات بشكل سريع، ما يجعل السياسات النقدية المحلية في اختبار دائم أمام ضغوط التضخم وأسعار الصرف.
وأضاف أن الذهب بالنسبة للمصريين أصبح ليس مجرد سلعة للزينة، بل أداة ادخار واستثمار شعبية في مواجهة تراجع القوة الشرائية للعملة المحلية.
وأشار إلى أن خفض الفائدة الأمريكية يزيد من الإقبال على المعدن الأصفر عالميًا، وهو ما يعزز من قناعة المواطن المصري بأن الذهب هو “الملاذ الآمن” في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي.
وأكد الخبير الاقتصادي أن المرحلة المقبلة ستشهد تباينًا في سلوك المستهلك المصري؛ فبينما سيتجه بعض الأفراد إلى تكثيف شراء السبائك والجنيهات كأداة للحفاظ على القيمة، سيجد آخرون أنفسهم مضطرين لتقليص مشترياتهم من الذهب بسبب الضغوط المعيشية. واعتبر أن هذا الانقسام يعكس الفجوة بين الرغبة في الادخار بالذهب والقدرة الفعلية على الشراء.
الطلب العالمي يتصاعد مع ضعف الدولار
خفض الفائدة الأمريكية عادة ما يقلل من جاذبية الدولار كأداة ادخار، فيتجه المستثمرون عالميًا إلى الذهب باعتباره أصلًا آمنًا يحافظ على القيمة. وقد أدى القرار الأخير إلى زيادة الطلب العالمي على المعدن الأصفر، ما انعكس على صعود أسعاره في البورصات العالمية وسط توقعات باستمرار هذا الاتجاه على المدى القريب.
السوق المصري.. الذهب رهينة الدولار
رغم ارتفاع الأسعار عالميًا، يبقى تأثيرها في مصر مرهونًا بسعر صرف الدولار محليًا. فكلما تراجع الجنيه أمام العملة الأمريكية، قفزت أسعار الذهب بوتيرة تفوق الارتفاعات العالمية. وهو ما يجعل المصريين يشعرون بوطأة مضاعفة في الأسعار، إذ يجتمع أثر السوق العالمي مع ضغوط العملة المحلية.
ثقافة الادخار والزواج في مواجهة الغلاء
الذهب في مصر ليس مجرد أداة استثمارية، بل عنصر اجتماعي وثقافي يرتبط بالزواج والادخار الشعبي. ومع موجة الصعود الأخيرة، انقسم المستهلكون ففئة اتجهت لشراء السبائك والجنيهات الذهب للتحوط ضد التضخم، بينما تراجعت قدرة الأسر على شراء المشغولات الذهبية المرتبطة بالزواج، ما يعكس ضغوطًا اجتماعية متزايدة.
تبقى الصورة ضبابية فهل يستمر المصريون في الاتجاه نحو الذهب كملاذ آمن رغم الضغوط المعيشية، أم يتراجع الطلب بسبب ضعف القدرة الشرائية؟ المؤكد أن الإجابة ستظل مرتبطة بمسار الدولار محليًا وبقرارات السياسة النقدية خلال الشهور المقبلة.