أصبح سحب السيولة من السوق واحدًا من أبرز أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي المصري في مواجهة تحديات الاقتصاد الكلي، ففي ظل ضغوط التضخم، وتقلبات أسعار الصرف، وحاجة السوق لتحقيق توازن بين الاستهلاك والادخار، يلجأ المركزي إلى امتصاص السيولة الزائدة كوسيلة لتقليل الطلب الكلي، ودعم استقرار العملة، وضبط معدلات التضخم.
لكن هذا الإجراء لا يقتصر على المعاملات بين البنوك فقط، بل يترك بصماته بشكل مباشر وغير مباشر على حياة المواطنين والمدخرين والمستثمرين.
سحب البنك المركزي المصري سيولة بقيمة 238.150 مليار جنيه من 18 بنكًا، وذلك في عطاء السوق المفتوحة الذي عقده اليوم، بعائد بلغ 22.5%.
وقال خبراء مصرفيون أن سحب السيولة من السوق يُعد من أهم أدوات السياسة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي لضبط المعروض النقدي، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، في وقت يشهد فيه العالم تقلبات حادة في أسعار السلع والفائدة وسعر الصرف.
وأوضح الخبراء في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» أن الهدف الأساسي من سحب السيولة هو التحكم في معدلات التضخم.
وأضافوا أنع كلما زادت كمية الأموال المتداولة في السوق، ارتفع الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي ترتفع الأسعار. ومن هنا يتدخل المركزي لتقليل هذه السيولة بما يخفف الضغط على الأسواق ويساعد على استقرار الأسعار
البنك المركزي يعمل كميزان حساس للاقتصاد. فإذا زاد حجم السيولة بشكل مبالغ فيه، يرفع ذلك التضخم ويضعف قيمة العملة. وإذا انخفضت السيولة أكثر من اللازم، يتأثر النشاط الاقتصادي بالركود.
لذلك، فإن سحب السيولة عبر عطاءات السوق المفتوحة أو ربط الودائع يعد أداة لإعادة التوازن وضبط حركة الأموال داخل الجهاز المصرفي.
وفي سياق متصل، قال هاني أبو الفتوح الخبير المصرفي إن لجوء البنك المركزي إلى سحب السيولة من السوق عبر عطاءات الودائع أو عمليات السوق المفتوحة يُعد أداة رئيسية لضبط إيقاع الاقتصاد.
وأضاف أن زيادة المعروض النقدي عن الحد المطلوب تؤدي إلى ضغوط تضخمية، ومن ثم فإن امتصاص السيولة الزائدة يساعد على خفض معدلات التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار.
وأوضح أبو الفتوح أن هذا الإجراء ينعكس أيضًا على استقرار سعر الصرف، إذ أن السيولة المرتفعة تدفع إلى زيادة الطلب على الدولار والعملات الأجنبية، وهو ما يضغط على الجنيه. مشيرًا إلى أن سحب السيولة يقلل من هذه الضغوط، ويدعم قوة العملة المحلية في مواجهة التقلبات الخارجية.
كما أكد أن المواطن العادي يتأثر بشكل مباشر بهذا الإجراء، سواء من خلال ارتفاع العوائد على الشهادات والودائع التي تطرحها البنوك، أو عبر انخفاض نسبي في معدلات التضخم، لكنه في المقابل قد يواجه ارتفاعًا في تكلفة الاقتراض نتيجة تقلص السيولة المتاحة للإقراض.
واعتبر أن هذه التوازنات جزء من الدور الحيوي للبنك المركزي في إدارة الاقتصاد الكلي.
ومن جهه أخرى أشار وليد ناجي الخبير المصرفي إلى أن سحب السيولة من السوق ليس مجرد إجراء فني للبنك المركزي، بل هو جزء من استراتيجية متكاملة لإدارة السياسة النقدية بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي العام.
وأضاف«ناجي» أن التحكم في السيولة يساعد على توجيه النشاط الاقتصادي نحو استقرار الأسعار وتحقيق نمو مستدام بعيدًا عن تقلبات السوق قصيرة الأجل.
وأوضح ناجي أن هذا الإجراء يعزز دور البنوك في جذب المدخرين، حيث تُجبر السيولة الأقل البنوك على تقديم شهادات ادخار وعروض توفير جذابة بعوائد مرتفعة، وهو ما يحافظ على حركة الأموال داخل النظام المصرفي بدلًا من انتشارها في السوق أو التحويل إلى العملات الأجنبية.
كما شدد على أن المواطن العادي قد يشعر بتأثيرات هذا الإجراء بشكل غير مباشر، سواء عبر تثبيت الأسعار نسبيًا أو ارتفاع عوائد الشهادات البنكية، لكنه أحيانًا يواجه ارتفاعًا محدودًا في تكلفة القروض.
وأوضح أن التوازن بين هذه التأثيرات هو جزء من مهمة البنك المركزي للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.