مع تصاعد معدلات التضخم وتأثيرها المباشر على معيشة المواطنين واستقرار الأسواق، يقف البنك المركزي المصري في مقدمة المواجهة، باحثاً عن التوازن الصعب بين كبح جماح الأسعار ودعم النمو الاقتصادي. فارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والغذاء انعكس بقوة على الداخل، ما جعل إدارة التضخم أولوية قصوى ضمن الاستراتيجية النقدية للدولة.
اعتمد البنك المركزي خلال الفترة الماضية على حزمة من الأدوات النقدية لمواجهة التضخم، في مقدمتها رفع أسعار الفائدة للحد من السيولة الزائدة في السوق، إلى جانب مراقبة سوق الصرف واتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على استقرار العملة، كما نسّق مع الحكومة في ملفات الدعم والضرائب لتخفيف الأعباء عن الفئات الأكثر تضرراً من موجة الغلاء.
وأكد حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي، خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن الاجتماع تناول جهود خفض معدلات التضخم وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، مشيرًا إلى أن البنك المركزي يولي اهتمامًا خاصًا بتعزيز الاحتياطيات من النقد الأجنبي ودعم الاستقرار المالي، بما يساهم في ترسيخ الثقة في الاقتصاد المصري وتحقيق التوازن بين السياسات النقدية والمالية
وقال خبراء مصرفيون إن هذه السياسات ساعدت في احتواء جزء كبير من الضغوط التضخمية، لكنها ما زالت تحتاج إلى إصلاحات هيكلية أوسع تتعلق بزيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، حتى تصبح المواجهة أكثر استدامة.
وأوضح الخبراء في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» أن مصر تراجعًا ملحوظًا في معدلات التضخم خلال أغسطس 2025، حيث انخفض معدل التضخم السنوي في المدن إلى 12% مقارنةً بـ13.9% في يوليو الماضي، كما هبط التضخم الأساسي الذي يصدره البنك المركزي إلى 10.7% مقابل 11.6% في يوليو.
واضافوا أن هذا التراجع يعكس جهود الدولة والبنك المركزي في السيطرة على موجة ارتفاع الأسعار التي عانى منها السوق خلال الفترات السابقة، في ظل ضغوط داخلية وخارجية أثرت على الاقتصاد المصري.
وفي سياق متصل أكدت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية أن البنك المركزي يتبع سياسة حذرة ومدروسة في مواجهة التضخم، موضحة أن رفع أسعار الفائدة لم يكن خياراً سهلاً، لكنه كان ضرورياً لاحتواء السيولة وكبح موجات ارتفاع الأسعار. وأشارت إلى أن هذه القرارات تبعث برسالة ثقة وطمأنة للأسواق المحلية والدولية بأن السياسة النقدية قادرة على السيطرة على الوضع.
وأوضحت «الدماطي» أن مواجهة التضخم لا يمكن أن تعتمد فقط على السياسة النقدية، بل تحتاج إلى تكامل مع السياسات المالية والإنتاجية. وقالت إن زيادة معدلات الإنتاج المحلي، وتحسين سلاسل التوريد، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، عوامل أساسية لتخفيف الضغوط التضخمية بشكل دائم.
وأضافت أن المرحلة المقبلة تستلزم التدرج في أي تحركات تخص أسعار الفائدة، بحيث لا تتأثر بيئة الاستثمار بشكل سلبي، مؤكدة أن التوازن بين كبح التضخم ودعم النمو هو التحدي الأكبر أمام صناع القرار النقدي.
من جانبه، قال أحمد شوقي الخبير المصرفي إن البنك المركزي لعب دورًا محوريًا في كبح جماح التضخم عبر سياسات نقدية متدرجة تراعي التوازن بين استقرار الأسعار واستمرارية النشاط الاقتصادي. وأوضح أن قرار رفع الفائدة في توقيتات محددة ساهم في امتصاص الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع عالميًا.
وأضاف «شوقي» أن أحد أهم أدوات مواجهة التضخم تمثل في تعزيز موارد النقد الأجنبي، سواء عبر تحفيز الاستثمارات الأجنبية أو زيادة عوائد الصادرات، وهو ما انعكس على قدرة الدولة في توفير احتياجاتها الاستراتيجية دون ضغوط حادة على الأسعار. وأكد أن استقرار سعر الصرف كان من العوامل المساندة في تخفيف حدة التضخم خلال الشهور الماضية.
وأشار شوقي إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب التركيز على الإصلاح الهيكلي للإنتاج المحلي، ودعم الصناعات التصديرية، بما يضمن تقليل الاعتماد على الواردات، وبالتالي الحد من انتقال موجات التضخم العالمية إلى السوق المصرية.
وشدد على أن استمرار البنك المركزي في التنسيق مع الحكومة سيظل عنصرًا حاسمًا لتحقيق معدلات تضخم في نطاق مستدام خلال السنوات المقبلة.