شهدت سوق الصرف المصرية خلال الأيام الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في سعر الدولار أمام الجنيه، ليسجل 47.86 جنيه، وهو أدنى مستوى للعملة الأمريكية منذ أكثر من عام، في انعكاس مباشر لتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وتزايد المعروض من النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي.
وبحسب متعاملين في البنوك، فإن الانخفاض الأخير يعود إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها ارتفاع موارد الدولة من العملات الأجنبية نتيجة انتعاش قطاع السياحة وتحسن إيرادات قناة السويس، إلى جانب تدفقات استثمارية جديدة في أدوات الدين الحكومية والسوق المحلية.
كما ساهم تراجع حجم الواردات خلال الأشهر الماضية في تقليل الطلب على الدولار، مدعومًا بسياسات ترشيد الاستيراد وزيادة الاعتماد على البدائل المحلية. وفي الوقت ذاته، أدى تراجع المضاربات بالسوق الموازية إلى تخفيف الضغوط على سعر الصرف الرسمي، خاصة مع وفرة نسبية للعملة الصعبة داخل البنوك.
وأشار خبراء مصرفيون في تصريحات خاصة لموقع «المحروسة» إلى أن تحسن صافي الأصول الأجنبية للجهاز المصرفي وتحقيق فائض للمرة الأولى منذ سنوات أعطى رسالة قوية للأسواق حول استقرار السياسة النقدية، ما عزز الثقة ودفع العديد من حائزي الدولار إلى التخلص من مدخراتهم خوفًا من استمرار الهبوط.
وأكد الخبراء أن التراجع الحالي يعكس توازنًا متزايدًا بين العرض والطلب على الدولار، مع توقعات باستمرار الانخفاض التدريجي خلال الفترة المقبلة حال استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية وتحسن موارد النقد الأجنبي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأسعار وخفض الضغوط التضخمية.
وفي سياق متصل أكد أشرف غراب، الخبير المصرفي، أن تراجع الدولار يعكس نجاح السياسات النقدية والمالية التي اتخذتها الدولة خلال العام الجاري، موضحًا أن عودة صافي الأصول الأجنبية للفائض بعد سنوات من العجز يعد مؤشرًا إيجابيًا قويًا جذب ثقة المستثمرين. وأضاف أن تعزيز موارد النقد الأجنبي من السياحة والصادرات والتحويلات عزز قدرة البنوك على تلبية الطلب، ما أدى لانخفاض تدريجي ومستمر في سعر الدولار.
وأشار غراب إلى أن استمرار التراجع مرهون بالحفاظ على معدلات التدفقات الأجنبية عند مستوياتها الحالية أو زيادتها، بجانب تشجيع الصادرات وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي، بما يقلل من فاتورة الواردات ويحد من الضغوط على العملة.
من جانبه، قال محمد عبد المنعم، الخبير المصرفي، إن انخفاض الدولار إلى هذا المستوى يعد خطوة إيجابية، لكنه حذر من المبالغة في التفاؤل، موضحًا أن الأسواق ما زالت تتأثر بالعوامل الخارجية مثل أسعار النفط العالمية وتطورات الأوضاع الاقتصادية العالمية. وأضاف أن أي تراجع في الاستثمارات أو حصيلة الصادرات قد يؤدي إلى عودة الضغوط على العملة المحلية.
وشدد عبد المنعم على أهمية استغلال فترة استقرار سعر الصرف في تعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتوسيع برامج التحوط ضد تقلبات الأسعار العالمية، حتى يظل التراجع في سعر الدولار مستدامًا وليس مجرد حركة مؤقتة مرتبطة بزيادة المعروض.