في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وارتفاع حدة تقلبات أسعار صرف الدولار، يتصاعد النقاش حول أهمية تنويع مكونات الاحتياطي النقدي لمصر، والاعتماد على “سلة عملات” بدلاً من التركيز شبه الكامل على العملة الأمريكية، الفكرة التي طُبقت في عدد من الاقتصادات الصاعدة، باتت تطرح نفسها كخيار استراتيجي لحماية الجنيه وضمان استقرار الأسواق.
وفق بيانات البنك المركزي، يتكون الاحتياطي النقدي من مجموعة عملات رئيسية أبرزها الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني واليوان الصيني والين الياباني، إلى جانب الذهب. لكن تظل الغلبة حتى الآن للعملة الخضراء التي ترتبط بها معظم التعاملات التجارية والمالية الدولية، ما يجعل الاقتصاد المصري أكثر عرضة لتقلبات السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي.
ويرى خبراء الاقتصاد أن تعزيز مكونات الاحتياطي بعملات شركاء تجاريين رئيسيين مثل الصين والهند وروسيا، قد يسهم في تقليل الضغوط الناتجة عن ارتفاع الدولار مشيرين إلى أن وجود اليوان الصيني أو الروبل الروسي بنسبة أكبر في الاحتياطي على سبيل المثال، يتيح تسهيلات في سداد قيمة الواردات القادمة من هذه الدول، ويخفف من حدة الطلب على الدولار في السوق المحلي.
وفي المقابل، يحذر بعض المتخصصين من أن الاعتماد الكبير على عملات ذات سيولة أقل عالميًا قد يضع مصر في مأزق حال الرغبة في استخدامها خارج نطاق التعاملات الثنائية. كما أن الأسواق المالية العالمية مازالت تعطي الأولوية المطلقة للدولار باعتباره العملة الأكثر أمانًا في أوقات الأزمات.
مع ذلك، يتفق أغلب الخبراء في تصريحات صحفية لموقع «المحروسة» على أن تبني استراتيجية متدرجة لتنويع الاحتياطي هو الخيار الأمثل، بحيث يتم تعزيز حصص عملات أخرى دون الإخلال بوجود الدولار كعنصر أساسي، على غرار ما فعلته بعض الدول الخليجية التي نجحت في خفض اعتمادها على العملة الأمريكية لصالح اليورو واليوان.
تؤكد هذه الرؤية أن سلة العملات قد تشكل “درع أمان” إضافيًا لمصر، يخفف من آثار موجات التضخم المستوردة ويمنح الاقتصاد هامشًا أوسع من المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية، خاصة في ظل ارتفاع حجم الدين الخارجي وتزايد الاحتياجات التمويلية.
ويبقى السؤال: هل تتجه مصر في الفترة المقبلة نحو إعادة هيكلة احتياطاتها الأجنبية بما يوازن بين الدولار وباقي العملات العالمية، أم أن قوة العملة الأمريكية ستظل حائلًا أمام أي تغيير جوهري في بنية الاحتياطي النقدي؟
أعلن البنك المركزي المصري أن صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي بلغ بنهاية أغسطس 2025 نحو 49.25 مليار دولار، مواصلاً بذلك الحفاظ على مستويات مستقرة تعكس قدرة الاقتصاد المصري على تلبية احتياجات الاستيراد وخدمة الالتزامات الخارجية.
وفي سياق قال الدكتور أشرف غراب، الخبير المصرفي، إن تنويع مكونات الاحتياطي النقدي الأجنبي من شأنه أن يقلل المخاطر المرتبطة بتقلبات الدولار، موضحًا أن الاعتماد على “سلة عملات” يتيح لمصر مرونة أكبر في إدارة التزاماتها المالية وسداد قيمة وارداتها بعيدًا عن الضغوط الناجمة عن ارتفاع قيمة العملة الأمريكية.
وأضاف أن الاعتماد على اليوان الصيني أو الروبل الروسي في الاحتياطي يعزز الشراكة الاقتصادية مع هذه الدول، ويمنح مصر ميزة تفاوضية في اتفاقيات التجارة البينية، فضلًا عن أنه يساعد على تقليل الطلب على الدولار في السوق المحلي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على استقرار سعر الصرف.
وأكد غراب أن هذه الخطوة لا تعني الاستغناء عن الدولار، بل تهدف إلى خلق توازن حقيقي داخل الاحتياطي النقدي، بحيث تظل العملة الأمريكية عنصرًا رئيسيًا بجانب عملات أخرى قادرة على امتصاص الصدمات الخارجية.
من جانبه، أوضح الدكتور حسن الصادي، الخبير المصرفي، أن تطبيق سياسة سلة العملات يحتاج إلى تخطيط متدرج ودقيق، لأن بعض العملات البديلة لا تتمتع بنفس مستويات السيولة والانتشار التي يمتاز بها الدولار عالميًا، ما قد يخلق صعوبات في استخدامها بشكل موسع خارج نطاق الشركاء التجاريين المباشرين.
وأشار الصادي إلى أن أهم ما يميز سلة العملات هو أنها تمنح الاقتصاد المصري نوعًا من التحوط ضد القرارات المفاجئة للفيدرالي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة، إذ أن الاعتماد على الدولار وحده يجعل الاقتصاد عرضة بشكل مباشر لهذه القرارات.
ولفت الصادي إلى أن نجاح هذه السياسة يتطلب تعزيز الاتفاقيات الثنائية مع الدول الشريكة، وزيادة الاعتماد على آليات الدفع بالعملات المحلية، بحيث لا يظل الدولار هو الوسيلة الوحيدة للتسوية، مؤكداً أن هذا التوجه أصبح ضرورة في ظل الأزمات العالمية وتقلب الأسواق.