في عالم يشهد تناميًا لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أصبحت البنوك في مصر في مواجهة مباشرة مع تحديات خطيرة تتعلق بكيفية التعامل مع الأموال المشبوهة، فالنظام المصرفي المصري، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني، لا يقتصر دوره على إدارة المدخرات وتقديم القروض، بل بات خط الدفاع الأول في مواجهة محاولات إدخال أموال غير مشروعة إلى الدورة الاقتصادية.
غسل الأموال هو عملية تحويل أموال تم الحصول عليها بطرق غير قانونية (مثل تجارة المخدرات، الرشوة، التهرب الضريبي أو الإرهاب) إلى أموال تبدو وكأنها ناتجة عن أنشطة مشروعة.
وفي سياق متصل قال مصدر مسئول بأحد البنوك أن التزام مصر بتوصيات مجموعة العمل المالي عزز من ثقة المؤسسات الدولية في النظام المصرفي المصري.
أشار المصدر في تصريحات صحفية لـ«المحروسة» إلى أن البنوك لا تتهاون في الإبلاغ عن أي شبهة، حتى وإن كانت صغيرة، حفاظًا على سمعتها وسمعة الاقتصاد الوطني.
ويرى أن تطوير التشريعات المستمرة، مثل قانون مكافحة غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته، ساهم في تضييق الخناق على ممارسات غاسلي الأموال.
ولفت إلى أن مواجهة الأموال المشبوهة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من العمل المصرفي اليومي في مصر. ومع تزايد المخاطر العالمية، تؤكد التجربة المصرية أن الالتزام بالمعايير الدولية وتفعيل الرقابة الداخلية هو السبيل للحفاظ على نزاهة النظام المالي. فالبنوك المصرية اليوم لا تكتفي بإدارة الأموال، بل تدير أيضًا معركة خفية ضد من يحاولون استغلالها لغسل جرائمهم.
وكشفت تقارير مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) أن المنطقة العربية، ومنها مصر، تواجه مخاطر متزايدة في هذا المجال بسبب الطبيعة الجغرافية والسياسية والاقتصادية.
كيف تتحرك البنوك المصرية؟
تخضع البنوك في مصر لإشراف دقيق من البنك المركزي المصري، الذي ألزمها بتطبيق إجراءات صارمة للتأكد من هوية العملاء ومصادر أموالهم. وتتمثل أبرز أدوات البنوك في:
1. اعرف عميلك (KYC):
إلزام كل عميل بتقديم بيانات شخصية دقيقة، مثل بطاقة الرقم القومي أو السجل التجاري للشركات.
متابعة حركة الحسابات للتأكد من توافقها مع طبيعة نشاط العميل.
2. وحدة مكافحة غسل الأموال:
أنشئت وحدة متخصصة داخل البنك المركزي عام 2002، تتلقى تقارير من البنوك عند الاشتباه في أي معاملة مالية.
تعمل بالتنسيق مع الجهات القضائية والأمنية لتتبع الأموال المشبوهة.
3. رصد العمليات الكبيرة وغير المبررة:
أي تحويلات مالية ضخمة أو متكررة دون سبب واضح يتم التحقق منها فورًا.
استخدام برامج إلكترونية ذكية لاكتشاف الأنماط غير الطبيعية في الحسابات.
4. التعاون الدولي:
تبادل المعلومات مع بنوك ومؤسسات مالية دولية لرصد التحويلات العابرة للحدود التي قد ترتبط بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
دور البنك المركزي المصري
البنك المركزي أصدر تعليمات ملزمة للبنوك تتعلق بالرقابة الداخلية، منها:
إنشاء إدارات مختصة بمكافحة غسل الأموال.
تدريب الموظفين على كيفية اكتشاف الأنشطة المشبوهة.
فرض عقوبات صارمة على البنوك المخالفة، تصل إلى الغرامات المالية أو المساءلة القانونية.
التحديات
محاولات مستمرة من بعض الشبكات الإجرامية لاختراق النظام المصرفي عبر وسطاء أو شركات وهمية.
صعوبة تتبع بعض التحويلات التي تتم عبر قنوات غير رسمية مثل “الحوالات غير البنكية”.
الحاجة المستمرة لتدريب الكوادر المصرفية على أحدث أساليب الرقابة والتحقق.