في عام شهد تقلبات اقتصادية عالمية وارتفاعًا في أسعار السلع والطاقة، برز البنك المركزي المصري كأحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي، بعدما استطاع إدارة السياسة النقدية بكفاءة، وتحقيق توازن صعب بين السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي، مع الحفاظ على استقرار سوق الصرف وثقة المؤسسات الدولية.
انخفاض التضخم.. أكبر دليل على نجاح السياسة النقدية
بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجل معدل التضخم الحضري السنوي 13.9% في يوليو 2025، مقارنة بـ 14.9% في يونيو، فيما تراجع التضخم السنوي إلى 13.1% مقابل 14.4% في الشهر السابق.
كما شهدت الأسعار على أساس شهري انخفاضًا ملحوظًا بلغ -0.5%، وهو ما اعتبره خبراء الاقتصاد مؤشرًا قويًا على انحسار الضغوط التضخمية.
صندوق النقد الدولي علّق في تقريره الفصلي على هذه الأرقام قائلًا:الهبوط السريع في معدل التضخم يعكس فعالية مزيج السياسات النقدية والمالية في مصر، خاصة إدارة المعروض النقدي واستقرار سعر الصرف.
خفض الفائدة.. ثقة في استقرار المؤشرات
في خطوة غير متوقعة لدى بعض المحللين، أعلن البنك المركزي في الربع الثاني من 2025 خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 100 نقطة أساس، وهو أول خفض منذ أكثر من عامين.
وسبق أن قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها الأخير، تثبيت سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 24%، 25% على الترتيب
القرار جاء مدعومًا بانخفاض معدلات التضخم، ورغبة في تحفيز الاستثمار وتخفيف تكلفة الاقتراض على القطاع الخاص.
البنك الدولي أشاد بالخطوة، وذكر في تقريره، خفض الفائدة في هذا التوقيت يعكس ثقة السلطات النقدية في قوة الاقتصاد وقدرته على مواصلة الانضباط المالي دون المخاطرة بارتفاع الأسعار مجددًا.
إدارة مرنة لسوق الصرف.. وجذب للاستثمارات الأجنبية
استطاع البنك المركزي الحفاظ على استقرار نسبي في سعر صرف الجنيه، من خلال إدارة مرنة تراعي تطورات السوق العالمي وتوازن بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.
هذه السياسة عززت من ثقة المستثمرين الأجانب، وساهمت في تدفق استثمارات بمحافظ الأوراق المالية وأدوات الدين الحكومية، ما دعم الاحتياطي النقدي الأجنبي.
احتياطي نقدي قوي لمواجهة الصدمات
بنهاية يوليو 2025، بلغ الاحتياطي الأجنبي مستوى يغطي أكثر من 6 أشهر من الواردات السلعية، وهو ما يعد من أعلى المعدلات في المنطقة.
هذا الاحتياطي وفّر حماية قوية للاقتصاد ضد أي صدمات خارجية، مثل تقلب أسعار النفط أو تراجع إيرادات السياحة.
وأعلن البنك المركزي المصري أن صافي الاحتياطي النقدي الأجنبي ارتفع إلى 49.036 مليار دولار بنهاية يوليو 2025، مقابل 48.700 مليار دولار في نهاية يونيو، مسجّلاً بذلك زيادة بنحو 336 مليون دولار خلال الشهر ذاته، هذا المستوى يمثل أعلى احتياطي نقدي أجنبي تم تسجيله في عدة سنوات
قرارات داعمة للمواطنين.. البطاقات الدولية نموذجًا
من بين أهم القرارات التي اتخذها البنك المركزي خلال العام، تخفيض عمولة تدبير العملة على معاملات البطاقات الدولية من 5% إلى 3%.
الخطوة جاءت استجابة لاحتياجات المسافرين والطلاب والمصريين في الخارج، وهدفت لتقليل لجوئهم للسوق الموازية، ما ساعد على ضبط سوق الصرف ودعم المعاملات الرسمية.
التحول الرقمي والشمول المالي.. ربط الاقتصاد بالمستقبل
واصل البنك المركزي قيادة جهود التحول الرقمي في القطاع المصرفي، حيث ارتفعت نسبة المعاملات غير النقدية بشكل كبير بفضل انتشار خدمات الدفع الإلكتروني والمحافظ الذكية، وزيادة أعداد نقاط البيع في جميع المحافظات.
كما تم تبسيط إجراءات فتح الحسابات البنكية، ما ساهم في زيادة معدلات الشمول المالي لتصل نسبة المواطنين الذين يمتلكون حسابات بنكية أو محافظ إلكترونية إلى أكثر من 67% بنهاية النصف الأول من 2025.
دعم القطاعات الإنتاجية.. الصناعة والزراعة والمشروعات الصغيرة
أطلق البنك المركزي عدة مبادرات تمويلية بفوائد منخفضة تستهدف القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الصناعة والزراعة، إضافة إلى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
هذه المبادرات ساعدت في زيادة الإنتاج المحلي، وتقليل فاتورة الاستيراد، وخلق فرص عمل جديدة.
شهادة المؤسسات الدولية.. تقدير عالمي للسياسة النقدية المصرية
أشاد كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التصنيف الائتماني العالمية، بقدرة البنك المركزي على التعامل مع التحديات، مؤكدين أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي المستدام.
النصف الثاني من 2025.. توقعات إيجابية
تشير المؤشرات إلى إمكانية استمرار انخفاض التضخم، ما يفتح الباب أمام البنك المركزي لمزيد من خفض الفائدة خلال الشهور المقبلة، وهو ما سيعطي دفعة قوية للنشاط الاقتصادي، خاصة في قطاعات الصناعة والعقار والسياحة.