في عالم يتغير فيه المشهد المالي بسرعة، وتزداد فيه التحديات الاقتصادية والضغوط الائتمانية، تلعب المخصصات البنكية دورًا حيويًا لا يُرى على السطح، لكنه يشكل عمق الأمان في قلب الجهاز المصرفي.
فوراء قوائم الأرباح والخسائر التي تعلنها البنوك كل ربع عام، توجد بنود دقيقة تعد بمثابة خطوط دفاعية لحماية أموال المودعين، وضمان استقرار البنوك، أبرزها المخصصات، التي تضعها البنوك جانبًا تحسبًا لأي خسائر محتملة ناتجة عن تعثر العملاء في السداد أو تقلبات السوق.
ما هي المخصصات البنكية؟
المخصصات ببساطة هي مبالغ يحتجزها البنك من أرباحه أو من مصادره التشغيلية كإجراء احترازي لمواجهة خسائر متوقعة، سواء من قروض متعثرة، أو أصول انخفضت قيمتها، أو التزامات مالية مستقبلية قد تظهر فجأة.
ويُشبهها المصرفيون بـ”شبكة الأمان”، فهي ليست خسارة فعلية، لكنها احتمال لخسارة محتملة، يتم التعامل معه بواقعية وبحسب تعليمات البنك المركزي ومعايير المحاسبة.
لماذا تلجأ البنوك لتكوين المخصصات؟
أسباب عديدة تجعل من تكوين المخصصات إجراءً إلزاميًا وليس اختياريًا، أبرزها:
-التعامل مع الديون المشكوك في تحصيلها.
-مواجهة تقلبات السوق أو الظروف الاقتصادية الصعبة.
-الامتثال لمعايير المحاسبة الدولية IFRS 9 التي تشدد على تقييم المخاطر الائتمانية.
-حماية أموال المودعين وحملة الأسهم.
وفقًا لتقارير البنوك المصرية الكبرى خلال النصف الأول من عام 2025، سجلت بعض البنوك ارتفاعًا في حجم المخصصات بنسبة تتراوح بين 15% و30% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة لتباطؤ سداد بعض القطاعات، خاصة العقارية والصناعية.
كيف تؤثر المخصصات على أرباح البنوك؟
من الطبيعي أن تؤثر المخصصات على الأرباح، لأنها تُخصم من صافي الدخل، لكن هذا التأثير يُعد إيجابيًا على المدى الطويل. فالبنك الذي يُكوّن مخصصات كافية لا يفاجأ بخسائر فجائية، ويحظى بثقة أكبر من الجهات الرقابية والمستثمرين.
وهناك علاقة طردية بين جودة الأصول وحجم المخصصات. كلما زادت الأصول الرديئة، زادت الحاجة للمخصصات لذلك، البنك الناجح هو من يوازن بين النمو وتحسين جودة محفظته.
المخصصات في البنوك الحكومية والخاصة.. من الأكثر تحفظًا؟
تشير البيانات إلى أن البنوك الحكومية في مصر مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر تتبع سياسة أكثر تحفظًا في تكوين المخصصات مقارنة ببعض البنوك الخاصة، خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل العقارات أو السياحة.
وهذا يرجع لارتباط البنوك الحكومية بشكل أكبر بخطط الدولة، إضافة إلى خضوعها لتقييمات ومراجعات دقيقة من البنك المركزي بشكل دوري.