غيب الموت، اليوم السبت، الشيخ السيد سعيد، أحد أبرز وأشهر قرّاء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، عن عمر ناهز 82 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتميز في تلاوة كتاب الله.
وُلد الشيخ السيد سعيد عام 1943 بقرية ميت مرجا سلسيل التابعة لمركز الجمالية بمحافظة الدقهلية، في أسرة فقيرة مكونة من تسعة أبناء، وكان أصغر الذكور. ومنذ نعومة أظافره، وهب نفسه للقرآن الكريم، حيث أتم حفظه كاملًا وهو في السابعة من عمره، ليبدأ رحلته مع التلاوة في عمر تسع سنوات، حين حصل على أول أجر مقابل تلاوته.
عاش للقرآن.. لا منه
ورغم انقطاعه عن الدراسة مبكرًا، حيث توقف عند الصف الأول الإعدادي، فإن الشيخ السيد لم يتخذ القرآن مهنة للكسب، بل عبّر دائمًا عن رفضه لفكرة الاتجار بكلام الله، وكان لا يطلب أجرًا على تلاوته، مؤكدًا أن قراءته نابعة من حب خالص لكتاب الله، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا».
“سلطان المقارئ” الذي حُرم من الأثير
لقّب الشيخ بـ”سلطان المقارئ”، لما تمتع به من صوت رخيم وأداء مؤثر يلامس القلوب، إلا أن صوته الشجي لم يصل إلى أثير الإذاعة المصرية، بعدما تعرض لخلاف أثناء اختبارات القبول، ما جعله يغادر اللجنة غاضبًا، متعهدًا بعدم العودة مجددًا، وهو ما حرمه من الانضمام الرسمي لها.
رغم ذلك، حظي الشيخ بمكانة رفيعة بين محبي القرآن الكريم، وأحبّ التلاوة على طريقة عظماء القراء المصريين مثل الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل، والبنا، والمنشاوي، الذين شكّلوا مدرسته الإبداعية الخاصة في التلاوة.
صوت عالمي لآيات الله
طاف الشيخ السيد سعيد أنحاء مصر، كما جاب دولًا عدة، قارئًا لكتاب الله، منها الإمارات، جنوب أفريقيا، لبنان، باكستان، وإيران. وقد اشتهر بتلاوة سورة يوسف، لا سيما عند الآية الكريمة: «قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ» [يوسف: 13]، التي كانت تُطلب منه كثيرًا في المناسبات، حتى غدت علامة فارقة في مسيرته، وسببًا لشهرته في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
نهاية بصبر واحتساب
في سنواته الأخيرة، ابتعد الشيخ السيد عن التلاوة إثر إصابته بمرض الفشل الكلوي، الذي استلزم خضوعه لجلسات غسيل كلوي ثلاث مرات أسبوعيًا، حتى وافته المنية اليوم، تاركًا وراءه إرثًا عطرًا من التلاوات الخاشعة، التي ستظل تتردد في آذان وقلوب محبيه.
