رئيس مجلس الادارة : محمود حسبو

رئيس التحرير : أحمد سالم

الرئيس التنفيذى و العضو المنتدب : أميرة نوار

الرئيس التنفيذى : أميرة نوار

رئيس مجلس الادارة : محمود حسبو

رئيس التحرير : أحمد سالم

الرئيس التنفيذى و العضو المنتدب : أميرة نوار

الرئيس التنفيذى : أميرة نوار

في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي، وضغوط الأسواق المحلية، كان لصافي الأصول الأجنبية في البنوك المصرية قصة مثيرة على مدار السنوات الثلاث الماضية، تحولت خلالها البنوك من مراكز قوة تملك احتياطيات مريحة من العملة الأجنبية، إلى مؤسسات تعاني من فجوات تمويلية حادة وضغوط يومية لتوفير الدولار.

المؤشر الذي يعد من أبرز المعايير الدالة على الوضع النقدي وسلامة القطاع المصرفي في أي دولة، سجل تحولات حادة في مصر بدأت بفائض كبير حتى عام 2021، قبل أن ينقلب إلى عجز متفاقم في 2022 و2023، مدفوعًا بعوامل داخلية وخارجية متشابكة، ولا تزال انعكاساته تلقي بظلالها على السوق حتى منتصف 2025.

ما هو صافي الأصول الأجنبية؟

صافي الأصول الأجنبية (Net Foreign Assets – NFA) يمثل الفارق بين ما تملكه البنوك والبنك المركزي من عملات أجنبية (الأصول)، وبين ما عليها من التزامات تجاه غير المقيمين (الخصوم)، بمعنى آخر، هو صافي ما تمتلكه مصر من عملة أجنبية في الجهاز المصرفي مقابل ما تدين به.

ارتفاع هذا الرقم يعني قدرة أكبر على تمويل الاستيراد وسداد الديون الخارجية وتلبية الطلب المحلي، بينما انخفاضه أو تحوله إلى عجز يشير إلى فجوة في العملة الأجنبية قد تعرّض السوق لمخاطر مثل التضخم، ضعف الجنيه، وتراجع الثقة في الاستقرار النقدي.

تطور صافي الأصول الأجنبية خلال 3 سنوات

عام 2021: ذروة الفائض والثقة:

في النصف الأول من عام 2021، وصلت صافي الأصول الأجنبية إلى مستويات قياسية، حيث تجاوز الفائض +20 مليار دولار، مدفوعًا بتعافي الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، وزيادة إيرادات السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، بالإضافة إلى دخول استثمارات أجنبية قوية في أدوات الدين الحكومي.

شهد هذا العام ثقة واضحة من المستثمرين الأجانب في السوق المصري، خاصة بعد الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت منذ 2016، ما عزز قدرة البنوك على الاحتفاظ باحتياطي مريح من العملات الأجنبية.

عام 2022.. بداية الانحدار الحاد

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، بدأت أزمة كبرى تضرب الاقتصاد العالمي. شهدت الأسواق الناشئة  ومنها مصر موجة خروج جماعي لرؤوس الأموال الأجنبية، وارتفعت أسعار القمح والنفط عالميًا، ما زاد من الضغط على فاتورة الاستيراد المصرية.

خلال هذا العام، خسر الجهاز المصرفي المصري مليارات الدولارات من صافي أصوله الأجنبية، وتحول المؤشر إلى عجز بنحو 15 مليار دولار بحلول نهاية العام، ما دفع البنك المركزي إلى التدخل بسلسلة من الإجراءات للحد من تآكل الاحتياطي.

عام 2023.. عمق الأزمة واستمرار التراجع

استمر النزيف في صافي الأصول الأجنبية خلال عام 2023، حيث بلغ العجز قرابة 27 مليار دولار، وهو المستوى الأدنى منذ ما يقرب من عقدين، وقد كان هذا التراجع نتيجة حتمية لتراكم الضغوط، انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، استمرار الطلب المرتفع على الدولار من قبل المستوردين، تباطؤ التصدير نتيجة الظروف العالمية، تراجع تحويلات المصريين بالخارج مع تصاعد سعر الدولار في السوق الموازية.

عام 2024-2025.. محاولات التعافي الحذر:

دخلت مصر عام 2024 وسط تحديات كبيرة، لكن مع تحركات الحكومة نحو تحرير سعر الصرف بشكل كامل، وتوقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بدأ السوق يشهد استقرارًا نسبيًا في توافر الدولار داخل البنوك.

في النصف الأول من 2025، ظهرت مؤشرات على تباطؤ العجز، وإن لم يتحول إلى فائض بعد، وتحدث البنك المركزي عن تحسن طفيف في صافي الأصول الأجنبية، مدفوعًا بزيادة إيرادات السياحة وارتفاع الصادرات الزراعية، بجانب تحسن التحويلات الدولارية من الخارج.

الأسباب وراء هذا التحول الكبير:

  1. تراجع الاستثمار الأجنبي

مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، ورفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة عدة مرات، اتجهت الاستثمارات إلى الأسواق المتقدمة، ما تسبب في هروب الأموال الساخنة من مصر.

  1. زيادة فاتورة الواردات

ارتفعت أسعار القمح والنفط والأسمدة والأدوية وغيرها من السلع الضرورية، ما أدى إلى زيادة الضغط على الدولار داخل السوق، خاصة مع ثبات أسعار البيع محليًا لفترات طويلة.

  1. ضعف الصادرات

رغم الجهود الحكومية، لا تزال الصادرات المصرية تعاني من تحديات في الجودة والتسويق، كما أن بعض القطاعات التصديرية تأثرت بالأوضاع العالمية كالصناعات الكيماوية والنسيج.

  1. السوق السوداء للعملة

في ظل الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، زاد الإقبال على السوق غير الرسمية، مما ساهم في استنزاف الأصول الأجنبية من البنوك الرسمية.

  1. تأخر بعض التمويلات

رغم الاتفاقات المبرمة مع مؤسسات التمويل الدولية، تأخرت بعض الدفعات، ما ساهم في الضغط على السيولة الدولارية في السوق.

تحركات البنك المركزي والدولة:

من أجل احتواء الأزمة، اتخذت الدولة حزمة من الإجراءات،  أبرزها تحرير تدريجي لسعر الصرف للقضاء على الفجوة السعرية، رفع أسعار الفائدة لجذب تدفقات الدولارية عبر أدوات الدين، إعادة هيكلة برنامج الطروحات الحكومية لجذب استثمارات مباشرة، زيادة الاعتماد على المبادرات التمويلية الخليجية في صورة ودائع واستثمارات.

ما هو الطريق نحو التعافي؟

رغم تحسن بعض المؤشرات في عام 2025، إلا أن عودة صافي الأصول الأجنبية إلى الفائض تتطلب مسارًا طويلًا من الإصلاحات الهيكلية، يتضمن:

زيادة الصادرات الصناعية والزراعية بشكل حقيقي ومُستدام.

تحسين مناخ الاستثمار لتدفق المزيد من العملة الأجنبية.

تنشيط قطاع السياحة واستمرار حملات الترويج الدولية.

الرقابة على السوق الموازية ومنع التسرب الدولاري منها.

التحول للاقتصاد الإنتاجي بدلًا من الاعتماد على الأموال الساخنة.

مؤشر لا يُستهان به

صافي الأصول الأجنبية ليس مجرد رقم في نشرة اقتصادية، بل هو مرآة تعكس سلامة الاقتصاد المصري واستقراره النقدي، ويمثل شريانًا حيويًا لتمويل التجارة وسداد الالتزامات الخارجية.

السنوات الثلاث الماضية كانت مليئة بالتحديات، لكن قدرة الجهاز المصرفي على الصمود، وتحركات الحكومة للإصلاح، تعزز الآمال في تحسّن المؤشر خلال الفترة المقبلة.

ومع مراقبة مستمرة من المؤسسات الدولية، ومطالبات بالإسراع في تنفيذ الإصلاحات، يبقى السؤال: هل تنجح مصر في استعادة الفائض وتحقيق استدامة في مواردها الدولارية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version