مع كل قرار يصدر عن البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة، تتجه الأنظار إلى القطاع المصرفي، والأسواق، وحتى جيوب المواطنين، يتكرر السؤال ذاته في الشارع المصري وعلى طاولات التحليل الاقتصادي، من المستفيد الحقيقي من هذه القرارات؟ هل هي البنوك التي تحقق أرباحًا طائلة؟ أم المواطن الذي يبحث عن عائد آمن؟ أم أن الخاسر الأكبر هو الاقتصاد الحقيقي؟
في هذا التحقيق، نفتح الملف الشائك حول تأثير رفع سعر الفائدة على المواطن والبنك والدولة، ونكشف من يربح ومن يخسر، وكيف تختلف النتائج باختلاف موقعك في السلسلة الاقتصادية.
أولًا: ما معنى رفع سعر الفائدة؟
سعر الفائدة ببساطة هو السعر الذي يدفعه البنك مقابل إقراضه أموالك أو السعر الذي يدفعه المقترض مقابل استخدام أموال البنك.
وعندما يقرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة، فإن الهدف الأساسي يكون غالبًا كبح جماح التضخم، عبر تقليل السيولة في السوق.
لكن هذا القرار لا يمر دون تبعات؛ إذ يؤثر على أسعار الإقراض، عوائد الودائع، الاستثمار، وحتى قدرة الأفراد على الشراء.
البنوك.. “الفائز الظاهر”؟
عند النظر إلى أرباح البنوك بعد كل قرار برفع الفائدة، قد يبدو أن البنوك هي المستفيد الأكبر، إذ أنها ترفع بدورها أسعار الفائدة على القروض، سواء للأفراد أو الشركات، ما يعني زيادة العائدات من الإقراض.
كما أن بعض البنوك تستثمر جزءًا من أموالها في أدوات الدين الحكومي، التي ترتفع عوائدها أيضًا بعد زيادة الفائدة.
لكن بحسب مصدر مسؤول بأحد البنوك الكبرى، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن
البنوك تحقق أرباحًا من الفائدة، لكن رفعها يعني أيضًا ارتفاع تكلفة الأموال، وزيادة الضغوط على تحصيل القروض، وزيادة حالات التعثر. البنك لا يربح وحده دائمًا.
المواطن.. عائد مضمون أم خسارة خفية؟
في المقابل، المواطن المصري، وخاصة من يعتمد على الادخار، يرى في قرار رفع الفائدة فرصة للحصول على عائد أعلى على ودائعه أو شهادات الاستثمار.
وفي حالات كثيرة، تسابقت البنوك لإصدار شهادات مرتفعة العائد – مثل 18% و21% – مما جذب مئات المليارات من الجنيهات من المواطنين.
المستثمرون.. الحلقة الأضعف:
رفع سعر الفائدة له تأثير سلبي مباشر على الاستثمار المحلي، خاصة في القطاعات الإنتاجية، فمع ارتفاع تكلفة الاقتراض، تقل شهية المستثمرين للاقتراض والتوسع، ويفضل البعض الاستثمار في أدوات مالية آمنة مثل الشهادات البنكية، بدلاً من المخاطرة في الإنتاج أو الصناعة.
وبذلك، يصبح الاقتصاد الحقيقي، المعتمد على الإنتاج والتشغيل، هو الضحية الكبرى لرفع أسعار الفائدة، خاصة إذا استمرت لفترة طويلة دون تراجع.
الحكومة.. رابح من ناحية وخاسر من أخرى
من ناحية أخرى، تستفيد الحكومة المصرية جزئيًا من رفع الفائدة في جذب أموال المواطنين نحو شهادات الادخار، وبالتالي تقليل الضغوط على الدولار أو أسواق السلع.
كما أن بيع أدوات الدين بأسعار فائدة مرتفعة يساهم في تمويل العجز بالموازنة.
لكن في الوقت نفسه، تتحمل الدولة تكاليف إضافية ضخمة نتيجة ارتفاع فوائد الدين المحلي، ما يرفع من عبء خدمة الدين العام، التي تُعد من أكبر بنود الإنفاق بالموازنة العامة.
أرقام تُظهر الصورة كاملة:
وفقًا للبنك المركزي، تجاوزت قيمة الودائع البنكية 7 تريليونات جنيه، مع زيادات ملحوظة في الشهادات مرتفعة العائد بعد كل قرار برفع الفائدة.
أكثر من 70% من القروض الجديدة التي تم منحها خلال العامين الماضيين كانت ذات أسعار فائدة مرتفعة، بحسب تقارير مصرفية.
معدل التضخم السنوي تجاوز 35% في بعض الشهور، ما جعل العائد الحقيقي سلبيًا على كثير من المدخرات.
إذن.. من الرابح الحقيقي؟
يمكن القول إن البنوك تحقق أرباحًا أكبر على المدى القصير، لكن تواجه أيضًا تحديات أكبر في التحصيل والتشغيل.
أما المواطن، فقد يرى فائدة فورية في العائد المرتفع، لكنه قد يخسر بسبب التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
بينما الاقتصاد ككل، خاصة قطاع الاستثمار، يتلقى ضربة موجعة من تزايد تكلفة التمويل، ويؤثر سلبًا على فرص النمو والتوظيف.