في أحد فروع البنوك الكبرى، يجلس موظف القروض يحاول إقناع عميل جديد بالاستفادة من قرض شخصي بفائدة تنافسية، بينما في الطابق الأعلى، تتابع الإدارة المالية مؤشرات حساسة، من أبرزها، نسبة القروض إلى الودائع، قد تبدو النسبة مجرد رقم عابر في تقارير البنك، لكنها في حقيقة الأمر مؤشر خطير قد يكشف عن مدى استقرار أو هشاشة النظام المصرفي.
ما المقصود بنسبة القروض إلى الودائع؟
هي النسبة التي تعبر عن حجم القروض التي تمنحها البنوك مقارنة بإجمالي الودائع التي تستقبلها من العملاء، إذا ارتفعت النسبة بشكل كبير، فهذا يعني أن البنك يضخ جزءًا كبيرًا من أمواله في القروض، مما قد يعرضه لمخاطر السيولة إذا طلب المودعون أموالهم في وقت واحد.
وإذا كانت منخفضة جدًا، فربما يشير ذلك إلى ضعف نشاط الإقراض أو تحفظ مفرط من جانب البنك.
الوضع في البنوك المصرية.. أرقام وتطورات
وفقًا لتقارير البنك المركزي المصري، تراوحت نسبة القروض إلى الودائع خلال السنوات الأخيرة بين 45 و55 % في أغلب البنوك، وهي نسبة تعتبر معتدلة ومقبولة نسبيًا.
لكن بعض البنوك الخاصة تجاوزت حاجز 60 في المئة، وهو ما يثير بعض القلق لدى المتخصصين، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية متقلبة.
قال أشرف غراب، الخبير المصرفي، إن هذه النسبة تعد من أهم مؤشرات قياس الأداء في القطاع المصرفي، وإن زيادتها قد تعني أن البنك ينشط في الإقراض، لكنه قد يكون معرضًا لمخاطر حال تعثر المقترضين أو حدوث سحب جماعي للودائع.
وأضاف أن الحدود الآمنة عالميًا تتراوح عادة بين 70 إلى 80 %، وأي تجاوز لتلك النسبة دون وجود غطاء نقدي أو أصول قوية يمثل تهديدًا للسيولة.
من جانبه، أشار مسؤول بإحدى البنوك الحكومية إلى أن الحفاظ على توازن بين القروض والودائع ضروري لضمان استقرار البنوك وثقة العملاء، موضحًا أن الرقابة المصرفية في مصر باتت أكثر صرامة في متابعة هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة.
المخاطر المحتملة في حال الارتفاع المبالغ فيه :
انخفاض السيولة المتاحة لدى البنك، زيادة خطر التعثر إذا كانت القروض غير مدروسة، صعوبة في مواجهة الأزمات الاقتصادية المفاجئة، تراجع ثقة العملاء وسحب محتمل للودائع
آليات الرقابة :
يلزم البنك المركزي المصري جميع البنوك بمراعاة حدود معينة لنسبة القروض إلى الودائع، كما يقوم بإصدار تعليمات دورية وإجراء اختبارات ضغط لضمان سلامة المراكز المالية.
كما تلتزم البنوك بتقديم تقارير تفصيلية دورية عن حركة الودائع والقروض، بما يضمن استمرارية الرقابة وضبط الأداء.
مقارنة بين البنوك الحكومية والخاصة /
تُظهر البيانات المتاحة أن هناك تباينًا واضحًا بين البنوك الحكومية والخاصة في مصر فيما يتعلق بنسبة القروض إلى الودائع.
ففي الوقت الذي تميل فيه البنوك الحكومية مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر إلى اتباع سياسات تحفظية، حيث تتراوح نسبة القروض إلى الودائع لديها بين 40 و50 %، نجد أن بعض البنوك الخاصة تتوسع أكثر في الإقراض، وتقترب نسبتها أحيانًا من 65 % أو أكثر.
ويرجع هذا التفاوت إلى اختلاف الأهداف والسياسات:
البنوك الحكومية تضع في أولوياتها الحفاظ على الاستقرار ودعم المشروعات القومية، وهو ما يجعلها أقل اندفاعًا نحو الإقراض.
أما البنوك الخاصة، فتركز بشكل أكبر على تعظيم الأرباح وتحقيق نسب عائد أعلى للمساهمين، ما يدفعها إلى التوسع في الإقراض الاستهلاكي والتمويلي، خاصة في قطاعات مثل العقارات والسيارات والتعليم الخاص.
البنوك الخاصة تتمتع بمرونة أكبر لكنها أيضًا أكثر تعرضًا للمخاطر في حال حدوث تقلبات اقتصادية حادة، بينما توفر البنوك الحكومية نوعًا من “شبكة الأمان” بسبب دعم الدولة ورقابة البنك المركزي الصارمة.